منذ فترة نشطت وتيرة المحاولات لاستهداف أمن المملكة. هناك الكثير من أشكال الاستهداف بدءا بفتح معبر آمن للهجرة غير الشرعية، من «الجوار» الشرقي، عبر تعبئة لوجستيكية بإنشاء مراكز عشوائية للتجمع، وعبر حملة دعائية كبرى على منصات التواصل الاجتماعي، ثم بعد ذلك تنفيذ هجمات متكررة بأعداد كبيرة تتجاوز الآلاف على مناطق العبور.

هناك أيضا استهداف المؤسسات الوطنية على مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسائل إلكترونية باتت معروفة وتحمل الكثير من الأسماء: الذباب والروبتوتات والحسابات الوهمية، ومنها تجنيد أشخاص بعينهم لنشر بروباغاندا تعتمد الأكاذيب والأخبار الزائفة لصنع رأي عام مدجن، للنيل من العقلاء الذين يحاولون التصدي لموجات تسونامي الافتراضية وتسفيه مواقفهم.

لكن أقبح أنواع هذا الاستهداف هو اختراق الجماعات والتنظيمات الإرهابية وتوجيه ذئابها المنفردة مباشرة نحو المغرب. والملاحظ أن ثمة سلسلة ممتدة ومترابطة في الفترة الأخيرة من المحاولات، لضرب الاستقرار الذي ينعم به المغرب من خلال تجنيد عدد من المتطرفين وتلقينهم عن بعد أو ذاتيا طرق صناعة العبوات الناسفة من مواد تقليدية تدخل في صناعة المتفجرات، وفي العديد من المحاولات التي تم إجهاضها أعلن عن حجز مواد خطيرة كانت مخصصة لتركيب عبوات ناسفة كما هو الشأن في العملية التي تم إحباطها أمس الأحد.

منذ سنوات تواجه المملكة هذا المد المتطرف وتعمل على تجفيف منابعه، بعمل غير مسبوق على المستوى الأمني والقانوني والاقتصادي والاجتماعي والديني، في إطار مقاربة شاملة واستراتيجية استباقية للحد من خسائره، ومنفتحة على العالم في إطار تعاون أمني واستخباراتي وقضائي.

هذه المقاربة التي تسير وفق توجيهات ملكية حازمة، حققت نجاحا مهما، وهي متواصلة مادامت التحديات الإرهابية تتمدد نحو مناطق أخرى بقارتنا السمراء.

ارتفاع وتيرة هذا المد الذي يعرف نشاطا مكثفا في السنوات الأخيرة يأتي بفعل استمرار تماهي التنظيمات المتطرفة مع بعض الكيانات الاجتماعية بدول الساحل، وبفعل أيضا عقيدة الحقد والعداء وتقاطع الإرهاب والانفصال بالمنطقة، والتي لطالما نبه المغرب إلى خطورة عواقبها على دول الساحل، التي تعاني من عدم الاستقرار الذي ينعكس سلبا على الدولة المركزية ويضعفها.

المغرب، وباعتباره دولة رائدة بالقارة الإفريقية ولديه عدد من المبادرات في مواجهة الإرهاب ويقوم بعمل فعال ودقيق في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب والذي سبق له أن ترأسه، يعمل بشكل خاص على دعم دول الساحل في مواجهة هذه الآفة، ومشهود له بالمصداقية والفعالية. وقد أفلحت المعلومات الاستخباراتية المغربية من إحباط العديد من الاعتداءات الإرهابية وأفشلت العديد من المخططات التي كادت أن تسفك دماء الكثير من الأبرياء، كما أن أوجه التعاون في مكافحة التطرف والإرهاب تدخل أيضا في إطار المقاربة الشاملة التي يتبناها المغرب والتي لا تقتصر على المجال الأمني.

وتعتبر التنمية التي يتبناها المغرب كاستراتيجية أساسية وداعمة لمكافحة الإرهاب مبادرة مهمة استقطبت مشاريع كبرى إلى الساحل ودول غرب إفريقيا وكل الدول الصديقة التي تجمعها علاقات قوية بالمملكة، وآخر هذه المبادرات تتمثل في دعم الأمن الغذائي عبر مشاريع تخص الأسمدة الموجهة للدول الإفريقية، ثم مشروع أنبوب الغاز المغرب نيجيريا، الذي يؤسس لتكتل اقتصادي يعمم الاستفادة من خيراته على الكثير من الدول والمجتمعات، إضافة إلى المبادرة الأطلسية الملكية غير المسبوقة، التي تسعى إلى تغيير وجه المنطقة واستفادة شعوبها من ثمارها على المستوى التنموي والاجتماعي والتعليمي والمهني.

هذا العمل الناجح الذي تقوم به المملكة في إفريقيا وفي الساحل بالخصوص جعلها هدفا لقوى الظلام التي تحالفت مع معتنقي الحقد والكراهية، من أجل فرملة نجاحاتها مع أشقائها الأفارقة، وهو ما يتصدى له المغرب بكل حزم وفعالية.