من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام. تذكرناها وتذكرنا أيام حفظنا لها، ونحن نرى الرئيس الأمريكي الشجاع دونالد ترامب، العائد حديثا إلى البيت الأبيض، ينزع عن نفسه جبة الرئيس، ويرتدي جبته الأصلية والمفضلة، جبة رجل الأعمال الذي يرى الفرص الاستثمارية الناجحة في كل مكان.

هذا ليس زواج سلطة بمال، هذا مشروع عقاري نابه ونابغ، قدمه للعالم أجمع، وأمام عدسات وكاميرات تلفزيونات الدنيا حاكم أمريكا، أقوى دول الأرض اليوم، عبارة عن «نادي بحري»، «غزة بيتش»، (وفي الإنجليزية كلمة «بيتش» هاته حمالة أوجه فعلا) تسبح فيه الدنيا في القطاع، وتأكل «شهيوات» المكان المشهورة، وترتاد أفخم الفنادق هناك بعد أن تتولى الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على المكان هناك، ونقله مثلما قال دونالد من «حال الجحيم إلى حال الجنة على الأرض». 

كيف استطاع دونالد ترامب اقتراحها؟ 

عادي جدا، ولقد قلناها قبل هذا الوقت بوقت طويل: «القادم أسوأ»، فردت علينا «المتحورات المقاومة» بالأناشيد والشعارات والصراخ «اصمتوا أيها المتصهينون»، فصمتنا. 

بعدها قالوا لنا بعد كل الدمار الذي تسببت فيه شعاراتهم، وبعد كل الموت الذي جلبته علينا أناشيدهم «لقد انتصرنا». 

رأينا الحطام يعلو كل شبر منهم، لكن لم نستطع أن نقول لهم هذه المرة شيئا. اكتفينا فقط بالتحديق فيهم بذهول حزين، ونحن نردد «نعم انتصرتم، واصافي، واصافي، غير سيرو ترتاحو دابا». 

وصلنا مع متحورات المقاومة بالأناشيد المرحلة التي تصلها مع مريض لديك مصاب بالوسواس القهري وبكل المتلازمات: تسايره في مصابه، وكفى، وتتمنى شيئا واحدا من العلي القدير معه: أن ينام، لأنه ما دام مسيتقظا لا يخلق لنفسه ولناسه إلا المشاكل. 

اليوم أيقظهم ترامب بعنف وهو يعلن لهم الحصيلة، ويقترح تحويلهم وتحويلنا معهم إلى نوع من «كلوب ميد» كبير، مفتوح على كل الاحتمالات، كل الطلبات فيه مؤدى ثمنها مسبقا، all inclusive، والشيء الوحيد المطلوب منك فيه اليوم كله هو أن ترتدي تيان السباحة، وأن تكون قادرا على القفز معنا في الفراغ ونحوه باستمرار. 

كان بيبي (نتنياهو) يغالب الضحك وترامب يعرض مشروعه العقاري المدهش والجديد، وكنا نحن نبحث عن الأسماء التي قدمت لنا السردية، منذ سابع أكتوبر، بل منذ أن تعرفنا على القضية، ومنذ غنينا لها الأناشيد، ومنذ قيل لنا إن «الأوائل باعوا الأرض»، ومنذ الوعد الشهير، وبلفور الأشهر، ومنذ حملت البندقية غصن الزيتون، فخونهما معا من لا علاقة لهم أصلا بالقضية، ومنذ شرع العقلاء في التحذير «خذوا ما تيسر فإنكم لن تجدوا شيئا تأخذونه ذات يوم»، ومنذ دخل على الخط أصحاب الردة والظلام، وقالوا «نحن أصحاب القضية الوحيدون، أما البقية، كل البقية فخونة»، ومنذ اقتتل الأهل بينهم من أجل دولة ضعيفة في الضفة، ودويلة أضعف، تستقوي فقط على المدنيين العزل في القطاع، ومنذ أصبح «الشيكل» عملة بقاء النضال والجهاد والمقاومة على قيد الحياة، ومنذ ظهر الملثم الذي يخطب في الناس عبر القناة فيفرحون، وينامون، ومنذ كل الإحباطات، وبقية الهزائم تترى، الواحدة بعد الأخرى، ومنذ بدء البدء، وحتى ختام الختام..

بحثنا عن الأسماء والتواريخ فكدنا لا نتذكر شيئا. 

أصابنا «زهايمر» جماعي عظيم، وكل الذي يرن في ذهننا اليوم مشروع عقاري ضخم لنادي بحري جديد نمارس فيه كل الهوايات. 

من باع القضية أولا؟ 

ولماذا ارتبطت منذ لحظتها الأولى بقاموس البيع والشراء هذا؟ 

هل من حاجة حقا اليوم، بعد كل هذه المزايدات، إلى طرح السؤال في بورصة النزول الدائم نحو قاع القاع؟ 

لا نعتقد ذلك ضروريا. لا نعتقده إطلاقا، فالجرح والميت والإيلام والحي الذي لن يسمع الكلام أبدا ذهبوا جميعا إلى المشروع العقاري الجديد، لكي يحجزوا لهم مكانا فيه قبل انتهاء كل هذه العروض المذهلة.

«بالي.. قبل ما يسالي... ما بقاشاي.. ما بقاشاي... مول المليح باع وراح».