على منصة «نيتفليكس»، هناك مسلسل جميل جدا يستحق المشاهدة. 

عنوانه «مو»، تصغير محمد، وهو يحكي بطريقة ساخرة ذكية حكاية فلسطين كلها من البدء، حتى اللحظة العالقة هاته التي نحن فيها. 

بطل مسلسل «مو» فلسطيني خرجت أسرته من فلسطين إلى الكويت هربا من الاحتلال الإسرائيلي، ثم هربت أسرته من الكويت إلى أمريكا بعد غزو العراق سنة 1991.

في أمريكا سيصبح حلم أسرة «مو» هو الحصول على اللجوء السياسي من أجل التوفر على جواز سفر من أجل تحقيق حلم أكبر: العودة ذات يوم لمشاهدة أرض فلسطين. 

يخوض بطل المسلسل وأسرته في جزأي العمل المكون من جزأين كل مغامرات الكون من أجل اللجوء وجواز السفر، وطيلة هاته المغامرات يزور حلم متكرر بطل العمل هو حلم بجواز سفر قديم، وبمفتاح لبيت عتيق. 

سيحقق «مو» وأسرته حلم العودة إلى فلسطين، وهناك سيجدون أن بيتهم القديم لازال في مكانه مثلما كان، لكن المحيط كله تغير. 

أراضي الأسرة محاطة بالمستوطنين ولا يمكن استغلالها إلا بإذن الإسرائيلي، الوصول من نقطة إلى نقطة يمر عبر ساعات من «التشيك بوينت»، أو نقط التفتيش المتعددة، الاعتداء على الفلسطيني مستمر يوميا في كل مكان، وبدون سبب أحيانا، إلى آخر بقية المضايقات التي يعرفها الآن الجميع عن الوضع هناك. 

في البيت العتيق يجد محمد أو «مو» حلمه حقيقة. يعثر على جواز السفر القديم الذي كان يحلم به، ويكتشف أنه جواز سفر حده، ويعثر كذلك على مفتاح البيت العتيق، ويكتشف أنه فعلا مفتاح بيت الأسرة، هناك على أرض فلسطين. 

يعود «مو» وأسرته إلى أمريكا بقليل من زيت زيتون فلسطين وبكاميرا «كاميسكوب» قديمة تتضمن أشرطة فيديو vhs توثق لبعض من أرشيف والده المتوفى، فتتلفها شرطية حدود إسرائيلية في المطار عمدا، وتسأل «مو»: هل أنت أمريكي أم فلسطيني؟ 

يجيبها: فلسطيني أعيش في أمريكا. 

يسألها هو بالمقابل «وأنت؟ من أين؟».

ترد عليه باستغراب «أنا إسرائيلية طبعا». 

يسألها مجددا «أقصد من أين أتيت قبل إسرائيل؟».

تجيبه «من إسبانيا». 

يبتسم، ويتذكر قبل أن يغضب لإتلاف أشرطة الفيديو التي تحمل صور ذكريات غالية عليه، نصيحة والده له «أقفل عينيك، وستتذكر كل شيء، فكل شيء يوجد في دواخلك، ولا يمكن لأحد أن ينزعه منك أو يحرمك منه». 

هذا المقطع هو تلخيص حكاية «التهجير القسري» غير الممكنة للفلسطيني من أرضه. 

هو يحملها في قلبه، فكيف يمكن أن تنزعها عنه، أو تنتزعها منه مهما حاولت، ومهما بلغت قوتك، ومهما تعاظم جبروتك؟

غير ممكن إطلاقا، لذلك لا بد من قولها مجددا: قدر تلك الأرض السلام والتعايش بين قاطنيها، وكل من يؤمنون أن السماء وعدتهم بجزء منها يسكنونه، مسيحيين ويهودا ومسلمين. 

لا قدر في تلك الأرض لا لتهجير هذا منها، ولا لرمي الآخر في البحر، ولا لإقفال كنائس الثالث والتضييق عليه لكي يهرب. 

قدرها، وهي الأرض التي بارك الله حولها، هو السلام وعيش الكل فيها، وفق حل الدولتين عادل وشامل يسكت صوت الدمار والفناء هناك إلى الأبد. 

هذا ما يقوله لنا هذا المسلسل الساخر والذكي واللماح والجميل، وهذا ما تقوله لنا حكاية تلك الأرض منذ ابتدأ الدم على أرضها بالسيلان، وإلى أن يقتنع القتل والقتل المضاد بأن الموت لم يكن أبدا الحل، وأن سر النجاة الوحيد هناك، وفي كل مكان آخر على الأرض هو تقديس الحق في الحياة.