بعد أيام نستقبل الشهر الفضيل، ونكتشف ما اختارته لنا لجان الانتقاء في قنواتنا الوطنية من منتوج يرافق صيام وقيام المغاربة خلال شهر رمضان، وهي عادة تلفزيونية دأبت عليها كل قنوات عالمنا العربي والإسلامي، وفيها من تفوق باستمرار ومن بينها من ظل الفشل يرافقه كل عام. 

لماذا قلنا إننا ننتظر رؤية عمل لجان الانتقاء في قنواتنا ولا ننتظر عمل مبدعينا وشركات إنتاجنا وبصمة مخرجينا وكتابنا وممثلينا؟ 

قلناها لأن الوصفة التلفزيونية في المغرب في السنوات الأخيرة أصبحت تحمل توقيع وبصمة لجان الانتقاء هاته، فقط لا غير. بل إن العاملين والعاملات في الميدان التلفزيوني أصبحوا يعدون المشاريع التي يتقدمون بها إلى قنوات التلفزيون في المغرب حسب ما تريده لجان الانتقاء هاته. 

النتيجة الأولى، التي قد تلاحظونها بالعين المجردة، هي أن هناك نوعا من المذاق الموحد في المنتوج التلفزيوني الدرامي المغربي، سمته متشابهة، مواضيعه متقاربة، أبطاله يتكررون في هذا العمل وفي ذاك، بل وحتى شركات تنفيذه تكاد لا تخرج كل مرة عن مجموعة معينة من الشركات هي التي تنفذ كل مرة هذا الإنتاج التلفزيوني المغربي. 

ليس في الأمر أي عيب إذا كان منتوج هذه الشركات مبهرا كل مرة، ومرة بعد مرة، ويقدم في كل مسلسل، ناطق بالدارجة أو الأمازيغية (بمختلف لغاتها)، وفي كل فيلم تلفزيوني، وفي كل سلسلة، وفي كل كبسولة، وفي باقي مناحي الإنتاج التلفزي، أعمالا تظل للتاريخ، تكتب صفحات مجيدة للدراما المغربية، ويفخر بها المشاهد المغربي، ويفاخر بها المنتوج المصري والخليجي، وغيرهما من علامات التميز التي نشاهدها كل شهر صيام وقيام على القنوات الأجنبية، والتي يتابعها المغاربة بحماس منقطع النظير، ويتابعون بالمقابل الأعمال التي تختارها لجان الانتقاء بكثير من الكلام غير الصالح للقول أمام الأطفال والجمهور الناشئ. 

لذلك لن نتسرع، وسنكتفي فقط بطرح التساؤل المنتظر: هل سيشذ رمضان 2025 التلفزيوني عن القاعدة ويقدم لنا، من خلال اختيارات لجان الانتقاء، أعمالا ترفع رأس الدراما المغربية عاليا، وتجعلنا نؤمن بصواب سياسة تشجيع الكم التي مورست طيلة السنوات الماضية، وسياسة وضع كل البيض في سلة أعضاء لجان الانتقاء؟ 

سنتفرج، وسنرى، وسنحكم. والجميل في حكاية الإبداع، في التلفزة، وفي غير التلفزة، هي أنه مستعص على شهادة الزور، فهو إما إبداع حقيقي مكتمل الأركان يحق له المرور من تلفزيون الناس بعد التمويل من مال الناس هذا، والكل يشهد له بذلك، وإما هو ارتكاب جديد، وفعل غير فني فاضح، تواطأت جهات عدة (مجانا أو بالمقابل) من أجل التستر على مقدار الإجرام فيه، مع أن هذا المقدار غير قابل للإخفاء ولو بكل مساحيق الدنيا الكاذبة. 

نحن المغاربة، نحلم فقط بمنتوج مغربي لا يشعرنا بالخجل، ولا بالكآبة، ولا بشعور الأسف المؤلم المبني على إحساسنا، عن حق أو عن خطأ، أن ما نراه على شاشتنا في رمضان من (إبداع) هو نتاج «إبداع» آخر من نوع خاص، لا علاقة له بالإبداع الحقيقي. 

هل هذا الأمر صعب إلى هذه الدرجة أيها السادة الأعضاء؟ 

لا نعتقد ذلك، لذلك سننتظر، وسنرى... وبعدها سيجد الحادث حديثه بكل تأكيد.