للمرة الثانية على التوالي والمرة الثالثة منذ شهر يونيو 2024، يقرر مجلس بنك المغرب تخفيض سعر الفائدة الرئيسي. بماذا يتعلق الأمر بالضبط؟وفي أي سياق تأتي هذه القرارات المتتالية وما هي انعكاساتها على عموم المغاربة والحياة الاقتصادية .بشكل عام. هذه المحاور نتناولها في هذا الحوار مع أستاذ الاقتصاد والوزير السابق عبد السلام الصديقي.

1-عمد بنك المغرب إلى تخفيض سعر الفائدة الرئيسي إلى 2.25 في المائة. بداية نود منكم تعريف الجمهور الواسع، وبشكل مبسط، بماذا يتعلق الأمر بالضبط؟

أشكركم على هذا السؤال المنهجي. لأنه من المهم دائما تحديد المفاهيم لمعرفة ما نتحدث عنه بالضبط. هذا مهم جدًا لمساعدة القراء غير المطلعين وغير المألوفين بالاصطلاحات الاقتصادية والمالية على الفهم الجيد. توجه هذه الملاحظة أيضا إلى بعض الصحفيين الذين ينغمسون في مشاكل دقيقة وتقنية للغاية دون أن يستقصوا المعلومات مسبقا. هناك قاعدة مقدسة تتمثل في "التكوين أولا والإعلام ثانيا".

للعودة إلى موضوعنا، سعر الفائدة الرئيسي هو سعر فائدة يحدده البنك المركزي لتنظيم النشاط الاقتصادي. إنه أداة رئيسية في السياسة النقدية، تتيح للبنوك المركزية التحكم في تكلفة الائتمان، أقصد سعر الفائدة وبالتالي التحكم في التضخم والاستهلاك والاستثمار في الاقتصاد. بعبارة أخرى، يحدد هذا السعر الأساسي السعر الذي تقترض به البنوك وتقرض به الأموال.وهكذا، يقرض البنك المركزي الأموال للبنوك التجارية بمعدل فائدة محدد، يسمى سعر الفائدة الرئيسي. هذا المعدل يؤثر مباشرة على تكلفة الائتمان للبنوك. زيادة أو انخفاض المعدل يعتمد على سلسلة من العوامل، بما في ذلك الوضع الاقتصادي ومستوى التضخم. في فترة التضخم الشديد كما كان الحال في عامي 2022 و2023، قام بنك المغرب، على غرار البنوك المركزية الأخرى مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو البنك المركزي الأوروبي، بزيادة سعر الفائدة الرئيسي من خلال اعتماد سياسة نقدية تقييدية تهدف إلى التأثير على كمية النقود وتقليل الضغوط التضخمية. مع ارتفاع سعر الفائدة الرئيسي، تحد البنوك التجارية من اقتراضها والقروض الممنوحة لأنها تعلم أن إعادة التمويل ستكون مكلفة بالنسبة لها. سيكون سلوكها عكس ذلك إذا كان سعر الفائدة منخفضًا. بالطبع، نحن لا نناقش هنا مدى ملاءمة هذه التدابير وفعاليتها. هذا موضوع آخر.

2-ما هي انعكاسات هذا القرار الجديد على المغاربة وعلى الاقتصاد بشكل ككل، علما بأن بنك المغرب يتخذ هذا القرار للمرة الثانية على التوالي والثالثة منذ يونيو الماضي؟

من خلال إجراء تخفيض ثالث على التوالي في سعر الفائدة الرئيسي، يهدف البنك المركزي أساساً إلى تحفيز النمو الاقتصادي بشكل أكبر من خلال تشجيع الاستثمار وبالتالي تنشيط سوق العمل الذي لا يزال للأسف راكداً. يجب أن نلاحظ أن قرارات البنك المركزي التي تُعلن عادةً في أعقاب الاجتماعات الفصلية لمجلس البنك، لا تُتخذ على عجل. تخضع هذه القرارات لفحص معمق للظروف الوطنية والدولية على حد سواء. علاوة على ذلك، فإن اجتماع المجلس المذكور بعد اجتماع الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي يكشف عن ضرورة أخذ ما يحدث في أماكن أخرى، وخاصة لدى شركائنا الرئيسيين، بعين الاعتبار. دعونا نكون واضحين: الأمر لا يتعلق بالاتباع الأعمى، بل بأخذ العلاقات المتبادلة القائمة بين الاقتصاديات المختلفة في الاعتبار. يجب على كل ملاح أن يعرف اتجاه الريح، فهذا أمر بديهي. الوضع الاقتصادي الوطني، على الرغم من أنه يشهد تحسناً طفيفاً، لا يزال غير كافٍ لتحقيق انتعاش مستدام وخلق فرص عمل كافية، خاصة وأن التضخم، كما تقيسه المندوبية السامية للتخطيط، يشهد تراجعاً نسبياً رغم ضرورة اليقظة.

بشكل ملموس، قد يكون لهذا التخفيض الجديد في سعر الفائدة من قبل البنك المركزي تداعيات كبيرة على الاقتصاد والمستهلك.من خلال جعل الائتمان سهلاً وأقل تكلفة، سيؤدي ذلك إلى تزييت الآلة الاقتصادية التي تدور ببطء وتشجيع كل من الشركات والأسر على الاقتراض للاستثمار والاستهلاك بشكل أكبر. ما قد يعيد تنشيط النشاط الاقتصادي كما يتوقعه بنك المغرب بالاعتماد على معدل نمو يتجاوز 4% خلال العامين المقبلين.

الاستثمار أكثر يعني خلق المزيد من الوظائف. هذه المعادلة ليست دائمًا قابلة للتحقق. كل شيء يعتمد على طبيعة الاستثمار. الاستثمارات الضخمة في المشاريع الكبرى للبنية التحتية تخلق عددًا محدودا من الوظائف. إنها الشركات الصغيرة والمتوسطة هي التي تخلق ما يكفي من فرص الشغل.

3-لذلك قرر بنك المغرب إنشاء برنامج جديد لدعم المقاولات الصغير جدا؟

نعم لهذا السبب . يقوم بنك المغرب بإنشاء برنامج جديد لدعم التمويل البنكي للمؤسسات الصغيرة جدًا مع إعادة تمويل خاصة نعم. للبنوك المشاركة بمعدل تفضيلي يعادل معدل الفائدة الرئيسي المنخفض بمقدار 25 نقطة، مما يعادل معدل 2 في المائة. يجب أن يحسن هذا النظام والالتزام الذي أعرب عنه القطاع المصرفي الوصول إلى التمويل لهذه الفئة من الشركات ويعزز مساهمتها في خلق فرص العمل في بلدنا.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي انخفاض الأسعار أيضا إلى تنشيط الاستهلاك وتحفيز الأسر، وخاصة الطبقة المتوسطة، أو ما تبقى منها، على الاستثمار في الإسكان وشراء السلع الدائمة. أما بالنسبة للفئات المحرومة، إذا تمكنت من الحصول على غذاء كافٍ، فهذا ليس بالأمر الهين في حد ذاته!!!

بالطبع، هناك خطر العودة إلى التضخم. وهذا الاحتمال غير خاف على البنك المركزي تمامًا، حيث إن البيان الصادر بعد اجتماع الثلاثاء 18 مارس الماضي واضح للغاية. سوف يستمر المجلس في متابعة تطورات الوضع الاقتصادي عن كثب واتخاذ قراراته اجتماعاً تلو الآخر بناءً على أحدث البيانات المتاحة. بعبارة أخرى، سيتم التحكم في التضخم والحفاظ عليه في "غرفة المراقبة"، كما يقال.

4-باستقراء آثار التخفيضات السابقة لسعر الفائدة الرئيسي. هل تفاعلت البنوك بشكل إيجابي مع ذلك فيما يخص تمويل الاقتصاد، لاسيما أن البنوك المغربية توصف بالشحيحة في هذا الجانب؟

نأمل أن تلعب البنوك دورها وتكون في الموعد. لديها دور حيوي في تمويل الاقتصاد نظرًا لوضعها كوسطاء بين المدخرين والمقترضين. البنوك، يجب أن نذكرذلك، لا تقرض أموالها الخاصة. هي تقومً بتعبأة الودائع، سواء كانت فورية أو آجلة، وتستخدمها على شكل قروض للشركات والأفراد. لهذا السبب يُطلق عليها اسم الوسطاء. بهذا الصدد، يُطلب منها الالتزام بعدد من القواعد التي يفرضها البنك المركزي الذي يلعب دور المشرف ويحرص على حسن سلوك البنوك. لا شيء أكثر خطورة من أزمة مصرفية!! آثار أزمة عام 2008، المعروفة بأزمة الرهن العقاري، لم تُمحَ بعد.

هذا الإفراط في الحذر يجعل البنوك أكثر تطلبًا حتى تصبح متشددة في إجراءات منح القروض. يُقال عادةً إن المصرفي لا قلب له. نحن نبالغ في تحديد المخاطر. لكن يمكننا خلق علاقات ثقة بين البنوك والمقرضين خاصة عندما يتعلق الأمر بشركة صغيرة أو صغيرة جدًا من خلال تعاون أفضل ومتابعة دائمة. على نحو متزايد، يتوسع دور البنك ليشمل الاستشارة والإشراف.البنوك ليست بخيلة، لكنها حذرة لأنها يجب أن تلتزم بالقواعد الاحترازية. مما لا يعني أن الوضع مثالي. بعيد كل البعد عن ذلك. من أجل تجاوز هذه الوضعية، فإن بلدنا مدعو بجدية إلى التفكير في فرصة إنشاء بنك استثمار عمومي مخصص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة كما فعلت العديد من البلدان حول العالم. ولم لا نفكر في تحويل صندوق محمد السادس للاستثمار للقيام بهذا الدور؟