كم عدد الناس (زملاء في المهنة، وغير زملاء، وفضوليين) الذين كلفوا أنفسهم عناء القراءة المتأنية، العالمة، والواعية للورقة التي قدمتها «الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين»، عن وضعية الصحافة والصحافيين في مواجهة عصابة «اليوتوب» داخل وخارج أرض الوطن؟ 

نكاد نجزم أن العدد قليل، وإن كنا لا نتوفر على معطيات حاسمة في هذا الاتجاه. 

بالمقابل، كم عدد الذين سبوا، وانتقدوا، بسوء وبحسن نية، وشتموا، وعارضوا بلاغ الجمعية؟ 

أيضا لا عدد لدينا، لكننا نتوفر على تدوينات وتغريدات، وأشياء في المنتصف بين الأمرين لأناس تجشموا عناء تقريع جمعية مهنية فقط لأنها قامت بدورها، ونبهت إلى المخاطر المحدقة بالمجال، وقالت إننا جميعا أمام مسؤولية ضرورة الحفاظ لهذه المهنة، المسماة الصحافة، على ما تبقى من هيكلها المهني. 

الأمر ليس سيئا، مع أنه دال على التوجه العام الذي لم يعد يقرأ ويعطي لنفسه مهلة الفهم بعد القراءة، بل أضحى يسارع للانتقاد انطلاقا من الموقف المسبق، وانطلاقا من «رأس الزبون»، وانطلاقا من العداوات السابقة والصداقات المشابهة وبقية الأمور التي لا تتقدم بنا خطوة واحدة إلى الأمام في أي نقاش. 

لماذا نقول إن الأمر غير سيئ بالكامل؟ 

لأن الاهتمام الذي قوبل به بلاغ الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، والقراءات الكثيرة التي تمت بسرعة فيه، والتخندقات والاصطفافات التي تلت البلاغ، كل هذا يؤكد لنا ما نعرفه سلفا من اهتمام بهاته الجمعية وبقيمتها ووزنها في المشهد الإعلامي المغربي، هي التي حققت في ظرف سنوات قليلة من الوجود، ما لم تحققه جمعيات أخرى تناهز أعمارها نصف القرن أو يزيد. 

هذا الاهتمام هو الجانب المليء من الكأس الذي نفضل رؤيته في هذا النقاش، وهو الذي سنعتمد عليه لكي نمد أيدينا بكل صدق، وبكل نية صافية، لكل زملائنا الحقيقيين في ميدان الصحافة، الذين نعرف مقدار حرقتهم جراء الوضع، ونعرف صدق رغبتهم في القيام بـ(شيء ما) يخرج بالمجال من الحال الذي هو فيه وعليه الآن. 

هذا (الشيء ما) تقترحه الجمعية عبارة عن خطوات عملية وواقعية ومهنية يمكنها أن تشكل لنا جميعا خارطة طريق، سنخرج بها من المؤقت، ومن الدعم المالي المعيب، ومن الخلط بين المهنيين والمتطفلين، ومن الخلط بين ممارسة الصحافة والممارسة السياسية (وهما مجالات مختلفان تماما)، ومن إقصاء للأصوات والأقلام والوجوه الشابة، ومن تحنيط لقدماء لا يريدون الانصراف ولا الانصرام، ومن اعتداء فضوليين جاهلين علينا في «اليوتوب» وغير «اليوتوب»، ومن توظيف السياسيين لبعضنا في حروب غير نظيفة، ومن وضعية مادية غير لائقة للشغيلة الصحافية، ومن رؤية سيئة عنا جميعا لدى الرأي العام، ومن ضعف مهني سببه الأساس كل ما ذكرناه من عوامل ومعها عوامل أخرى لم نذكرها...

نعم، يمكننا الخروج من المأزق الذي نحن فيه الآن، إذا أردنا، وإذا تحدثنا بصراحة مع بعضنا البعض، لكي يصبح لدينا صوت واحد نتحدث به مع المسؤولين، الذين سبحترمون صوتنا حقا إذا كان واحدا، مغربيا، وطنيا، مواطنا، مهنيا، تحركه فقط هواجس الارتقاء بهذه المهنة النبيلة التي جعلها بعضنا تنزل إلى حضيض الحضيض. 

إذا لم نرد، وقررنا المواصلة على النهج ذاته: التخندق والاصطفاف، وسب بعضنا البعض، والاستسلام لمنطق «حنا خير منهم هوما»، سيبقى هذا الوضع الحزين المحزن على ما هو عليه، ولن يستفيد منه إلا الوصوليون والانتهازيون وعديمو الموهبة في ميداننا، والبقية ممن يتبعون منذ القديم «جيلالة بالنافخ»، والذين لا تعرف هل هم صحافيون حقا أم ممتهنو حرف أخرى، مثلما لا نعرف، ولن نعرف أبدا (وإن كنا نشك، وشكنا في محله طبعا) هل هم معنا، أم علينا و«مع غانا»؟

لنا الاختيار طبعا وحريته، ونون الجماعة هنا تعود على أبناء وبنات الميدان الحقيقيين والحقيقيات، فقط، لا غير. 

الآخرون والأخريات لا يعنيهم نهائيا هذا النقاش المهني الصرف بين أبناء الحرفة الواحدة.