يستكثر علينا بعض زملائنا «اللايت» جدا، حتى «هاد خروج الروح» الذي يجمعنا هذه الأيام، صحافيين حقيقيين وصحافيين مزورين وصحافيين أصلاء وصحافيين في «البين - بين»، وغير صحافيين لكن محسوبين على الصحافيين، وهلم جرا، بكل حروف وأنواع الجر، عزيزها الذي يضمن الكرامة واحترام الكبرياء، والآخر الذي يذل ويهين.
ويقول لنا هؤلاء المتبرمون منا بصريح العبارة: «صدعتونا» بنقاشكم حول الصحافة والضجيج، ويصرخون في وجوهنا «هنيونا»، لكي نخرس ونتوقف عن النقار الدائر بين فسطاطي الصحافة في البلاد: «الدراوش» و«الواعرين».
يجب قولها مباشرة لهؤلاء الزملاء «اللايت»: اتركوا لنا على الأقل ضجيج «خروج الروح» هذا، أو صراخ النزع الأخير، ونحن نحمل جثة المهنة إلى مرقدها الأخير.
عيب عليكم، بل حرام، بعد كل فرجتكم «اللايت» علينا كل هذه السنوات، واستفادتكم من الفرجة المجانية بأشكال شتى أن تطلبوا منا أن نعيش لحظات احتضارنا في صمت مطبق وكامل.
اتركوا لنا فقط فرصة أن نجادل بعضنا البعض، بل وأن نخون بعضنا البعض، وأن نسب بعضنا البعض، وأن نعري عورات بعضنا البعض، وأن بكتب البعض عن البعض الثاني إنه «مجرد عياشي مخزني يتلقى ثمن كل حرف يكتبه»، وأن يرد البعض الثاني على الأول بالقول أنه «مجرد خائن للوطن يشتغل وفق الأجندات الأجنبية».
اسمحوا لنا أيها «اللايتيون»، الذين لم يتخذوا في يوم من الأيام موقفا يجعلنا نعرف هم مع من بالتحديد، بأن نواصل نحن تطرفنا مع هذا الاتجاه أو مع الآخر.
اتركوا للأحمق «أخ الجمهور» منا فرصة الانتقام من كل عقده السابقة، بسب الجميع، والصراخ أنه وحده «سيد الناس»، في الصحافة، واتركوا للمتورط فيما لا يصح أن ينسى آلام الكنبة وأن يقول كل ما يريد في السياسة وغيرها، واتركوا لمن أراد «أكل تفاحة آدم»، ففضح فضحا، أن يمارس «تسلكيطه» على مرأى ومسمع من الجميع، واتركوا لغرفة الفار أن تلقي الضوء كل أسبوع على مساوئ الجميع، وأن تعيد اللقطات بالعرض البطيء لكي تقول لنا إن كان هناك تسلل أم لا، ولكي تعد لنا عدد لمسات اليد المفضوحة، واتركوا لنا ولآخرين وأخريات منا الحق في أن يصطفوا مع هذه الجهة أو مع الأخرى، وأن يصفقوا لهاته فرحين، وأن يصفروا على الثانية غاضبين، وأن يقولوا كلما بدا لهم أن جهتهم سجلت «هبهو، مبروك علينا هادي البداية، ومازال مازال».
لماذا تريدون إسكات أهل مهنة يرون حرفتهم تموت أمام أعينهم؟ لماذا تحرمونهم حتى من حق الصراخ الأليم أمام جثتها، والروح تغادر شيئا فشيئا الجسد الفاني؟
من أين أتيتم بهذه القسوة كلها زملائي «اللايت» أكثر من القدر المسموح به، طبيا وإنسانيا، ومهنيا، ومنطقيا حتى؟
«واش ماشي حشومة عليكم؟».
تخيلوا مقدار الهوان الذي وصلنا إليه: حتى ونحن نحتضر، يطلب منا «اللايتيون» أن نخرج حشرجات الموت دون صوت!
«واش كاينة شي حكرة أكثر من هادي؟».
على كل حال، سنهز الرأس موافقين كالعادة مثل أي good boy جيد، وسنخرس، حفاظا على آذان «زملاء اللايت» النقية والنظيفة، وإبقاء للهدوء الذي يريدونه من أجل مواصلة كل ماقاموا به حتى الآن.
سنسكت، ونحن نموت، فقط لئلا يقال إننا أزعجناهم طيلة تمثيل دور الحياة، وأننا واصلنا الإزعاج، أيضا ونحن نغادر.
سكوت، نحن نموت، وزملاء لنا «لايتيون» يريدون فقط المزيد من الصمت والهدوء!!!