رأيت شريط فيديو لأحد وجوه حزب «العدالة والتنمية»، المعروف بسلاطة لسانه الفيسبوكي، عالقا بين من يظهر من كلامهم أنهم من جماعة «العدل والإحسان» خلال مسيرة الأحد الماضي في الرباط، التي تضامنت مع أحزان شعبنا الفلسطيني، ويا ليتني ما رأيت، لكنها عواقب الإدمان على مواقع التواصل، ومساوئ «الكليك» الدائم على الروابط التي تصلنا، حتى تلك لا تستحق الدوس عليها. 

ما علينا، لنعد إلى خرفاننا مثلما يقول الفرنسيون: في الفيديو كان الرجل إياه يحاول بحماسة منقطعة النظير أن يقنع من طردوه من مسيرة سابقة في طنجة، لأنه ينتمي حسب فهمهم العجيب للأمور لحزب مطبع أو سبق لأمينه العام أن وقع على التطبيع، أنه وإياهم في مركب واحد، وكان يشرح لهم بطريقة مضحكة عظمة الطوفان، وروح الطوفان، وكيفية الارتقاء إلى مراتب الطوفان. 

صديقنا المسكين، والمثير للشفقة في وقفته تلك كان شبيها بأولئك الذين تعتقلهم «حماس» في القطاع، وتتهمهم بالتعاون مع إسرائيل، وتنفذ فيهم القصاص فورا وعلى الأرض وأمام الملأ، حتى وإن لم يثبت هذا التعاون فعلا بينهم وبين الدولة العبرية. 

طبعا شباب «العدل والإحسان» اللطفاء لم ينفذوا الحد في الصديق الذي كان يحاول مناقشتهم بذلك الشكل المضحك، لكن كلامهم نحوه وتصورهم له لم يكن بعيدا عن تصور أهل الحركة في القطاع للمختلفين عنهم في التصور من العملاء أو من يسمونهم هكذا. 

سألت نفسي بعد إضاعة الوقت في مشاهدة تلك «الحلقية» المنتمية لزمن آخر عن آفة التخوين التي أصبنا بها جميعا، وكيف انتقلت في هذا الموضوع الفلسطيني هنا في المغرب من تخوين من يحلمون بالسلام، وسحلهم افتراضيا، في ظل العجز عن سحلهم جسديا وماديا وفي الواقع، إلى تخوين أبناء ما يسمى «الحركة الإسلامية»، و«العمل الإسلامي» لبعضهم البعض. 

تخيلوا المنحدر الخطير: «إسلاميون» يعتبرون «إسلاميين» خطرا على الأمة، وكائنات لا ينبغي الاختلاط بها في المسيرات والوقفات ومحطات الاعتكاف، بل حتى في الصلاة، التي هي عند المسلم العادي، لا مسلم هذه الحركات، أمر بين العبد وخالقه، ولحظة وقوف مقدسة بين يدي رب العباد. 

في وقت سابق كنا نقولها لهؤلاء الذين يزايدون علينا في الشأن الفلسطيني، وكنا نشرح لغبائهم «بالخشيبات» أن اختلاف وجهات النظر ليس خيانة. 

كانوا يصيحون كالحمقى، وكانوا يصرخون بحمية الجهالة العمياء أن «لا»، وكانوا يصفوننا، ولازالوا على كل حال، بأقذع الأوصاف. 

سكتنا، لأن السكوت عن الأحمق عقل، وانتظرنا مانحين الوقت للوقت، وكذلك كان: اليوم ها هم يكتوون بنار التخوين، وها هم يضطرون لارتجال الحلقيات المضحكة لكي يقنعوا شبابا يشبهونهم أنهم ليسوا خونة، وها هم أولئك الشباب يصفونهم بالنفاق والركوب على الموجة اليوم بعد أن نزلوا من سفينة الحكومة، وها هي الأيام (تنتقم) لنا خير انتقام، وتؤكد ما قلناه منذ بدء البدء: أسهل شيء في حكاية قضايا الأمة هاته هو الكلام، والشعار والتنظير والحديث الساكت، وأداء الأغاني ووضع الكوفية على العنق، والتقاط السيلفيهات في المظاهرات، ثم تخوين الجميع، والاعتقاد - ببلاهة - أنك نصرت كل القضايا بهذا (اللافعل) قبل الذهاب إلى المنزل لأجل النوم وقضاء كل الحوائج والحاجات. 

بالمقابل أصعب الصعب في هذه القضايا تقديم شيء عملي وفعلي لها لناسها وأهلها وشعبها، غير الأغاني والمحفوظات. 

لحسن الحظ، ومقابل أهل الكلام هؤلاء من المدمنين على «داواوا» و«الشفوي» فقط، تقدم بلادنا للمظلومين في فلسطين والمغلوبين على أمرهم، العالقين بين مطرقة إسرائيل وسندان حماس، شيئا آخر، بل أشياء أخرى كثيرة ومفيدة غير الكلام. 

وذلك هو الفرق في الختام بين من يتحدث فقط، وبين من يعمل ويواصل المسير.