الجنرال الأمريكي جورج مارشال، مستشار الرئيس روزفلت، وصاحب "خطة مارشال” الشهيرة، قال ذات مرة: «إن الشجاعة التي نضعها في المعركة هي التي تحدد نتيجتها. إنها الشجاعة التي تحقق النصر».
اليوم، في مجلس الأمن، يمكن للمغرب أن يتذوق طعم النصر، بعد حرب استمرت نصف قرن. ففي إحاطته الشهرية في أبريل، أمام مجلس الأمن، قدم ستافان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى الصحراء، مقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الحل الوحيد للنزاع.
وبحسب عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، فإن هذه الإحاطة «تحمل تطورًا كبيرًا في طريقة إدارة الأمم المتحدة لهذا الملف». ويضيف السفير المغربي: «من الآن فصاعدًا، يتركز النقاش بشكل حاسم حول خيار الحكم الذاتي المغربي كحل وحيد للنزاع، مع استبعاد كل الفرضيات الأخرى».
وهذا بالضبط ما كان يريده المغرب. فكيف نُفسّر هذا التحول؟ يجيب دي ميستورا نفسه: لقد كان ذلك نتيجة مواقف دول مؤثرة كفرنسا وإسبانيا، وانضمام أكثر من 110 دول إلى المقترح المغربي. ومؤخرًا، جاءت تأكيدات الولايات المتحدة على اعترافها بسيادة المملكة المغربية على الصحراء. وقال دي ميستورا في إحاطته: «الولايات المتحدة لا تزال تؤمن أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن».
ولم يُغفل المبعوث الأممي الإشارة إلى العلاقات بين المغرب والجزائر. وأشار إلى أن الجزائر، وفي نقاشاته مع فرنسا (رغم الأزمة الدبلوماسية العميقة بينهما)، بدت كأنها بدأت تتقبل الحل المغربي. إذ لم يُطرح موضوع الصحراء خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، رغم أن كل المواضيع الخلافية الأخرى تمّت مناقشتها. علماً أن الأزمة بين البلدين بدأت يوم قررت فرنسا الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
فهل يمكن للمغرب إذًا أن يحتفل بنصره ويستعد لذكرى المسيرة الخضراء القادمة بفرح وطمأنينة؟
حتى الآن، يمكن القول إن كل العمل تم بدينامية ملكية. فلو أن السيادة أصبحت اليوم أمرًا واقعًا، بعد اعتراف دول كثيرة بها، منها دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن، فإنما يعود الفضل إلى هذه الدينامية الملكية.
لكن، وعلى عكس ما قد يظن البعض، فإن القضية لم تنتهِ بعد. مرحلة جديدة تبدأ، ولن تكون سهلة.
يُطلب من المغرب أمران: أولًا، تقديم تفاصيل خطة الحكم الذاتي، وثانيًا، الدخول في مفاوضات مع الأطراف الأخرى من أجل التوصل إلى حل مقبول من الجميع. وكلمة "مقبول” هنا تستحق التوقف عندها.
مسألة الخطة يجب أن تُعبّئ القوى السياسية في البلاد. الأحزاب السياسية، تحديدًا، عليها أن تنخرط كليًا في هذا الورش. ويجب أن تفعل ذلك الآن، وهي تستحضر أن قضية الوحدة الترابية هي أولوية الأولويات.
حتى الآن، لا نرى من يتحرك في هذا الاتجاه. فإما أن الأحزاب منشغلة بصراعاتها الصغيرة، أو أنها تعبئ الجماهير لقضايا بعيدة. مع أن هذه الأحزاب تمثل المواطنين، بل وتتحرك بأموال دافعي الضرائب المغاربة، ولا أحد غيرهم.
المواطن يريد حلولًا لمشاكله أولًا، وبالطبع تعبئة وطنية لحماية الوحدة الترابية.
ولدى بعض الأطراف، من المهم أن نذكر، يبدو أن "حماس” و”الكوفية الفلسطينية” هما شغلهم الشاغل وأولويتهم القصوى. الأمر خطير، إذ أن الدعاية الإسلاموية المؤيدة لفلسطين شوّهت وعي البعض. فهناك من يقول إنه سيقاتل إلى جانب البوليساريو ضد المغرب من أجل "مجد الشعب الفلسطيني”! وآخرون يقترحون الذهاب ليفجّروا أنفسهم في إسرائيل لبلوغ الشهادة والجنة!
هذا انحراف هوياتي تتحمل مسؤوليته تلك الأحزاب والجماعات الإسلامية، وكذلك الأحزاب الأخرى التي لم تفعل شيئًا لمواجهة هذا الخطاب المعادي للوطن.
هناك نقطة أخرى، وهي أن الأحزاب السياسية تدير جهات في المملكة، وبالتالي من المفترض أنها راكمت تجربة ومعرفة تؤهلها لتصور وطرح رؤاها بشأن الحكم الذاتي. فلماذا لا تفعل ذلك؟ من يمنعها؟
ما عليها إلا أن ترى عدد المغاربة النشيطين على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين يدافعون عن بلادهم ويفشلون حملات الدعاية الجزائرية والانفصالية.
أخيرًا، على الفاعلين السياسيين المغاربة أن يعلموا أن السياسة ليست نهرًا هادئًا. فكل شيء يتحرك باستمرار. ويجب استغلال الرياح المواتية. وقبل كل شيء، لا بد من الشجاعة للتحرك. الشجاعة في رفض تضييع الموارد على معارك لا تفيد البلاد، بل تضرّها.