في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقتنا العربية، تبرز قرارات حاسمة تعكس حكمة القيادة وبُعد نظرها في حماية أمن الوطن واستقراره. ولعل قرار المملكة الأردنية الهاشمية بحظر جماعة الإخوان المسلمين بعد اكتشاف مخططهم الإرهابي الذي شاركت فيه حركة حماس، يمثل نموذجاً صارخاً لتلك القرارات التي تأتي في اللحظة المناسبة لحماية النسيج الوطني من مخاطر محدقة كانت تستهدف السلم والأمن الأهلي في الأردن.
هل كان قرار الحظر ضرورياً وفي توقيته المناسب؟ تكشف المتابعة الدقيقة للأحداث أن هذا القرار جاء بعد سنوات من الصبر الاستراتيجي الذي مارسته الدولة الأردنية تجاه تلك الجماعة، صبر لم يكن نابعاً من ضعف كما توهم قادة الجماعة، بل كان نابعاً من حكمة سياسية عميقة وإدراك واعٍ لطبيعة التحديات وتعقيداتها. إن التحليل الموضوعي يكشف أن الأردن دولة تعي وتدرك التوازنات الإقليمية والدولية، وتعطي للأحداث مساحتها وهي تمسك برسنها وخطامها، فلا تتعجل ولا تتأخر في اتخاذ القرارات المصيرية.
كذلك تظهر الحقائق الملموسة أن جماعة الإخوان المسلمين أساءت فهم سياسة الصبر الاستراتيجي التي انتهجتها الدولة الأردنية، وظنت - إثماً وعدواناً - أن هذا الصبر يعكس ضعفاً في النظام الحاكم. لقد استلهمت الجماعة خبرات السنين الماضية من أذرعها في الدول التي أصيبت بما يمكن وصفه "بمرض الإخوان”، وحاولت استنساخ تجاربها الفاشلة في الأردن، متجاهلة خصوصية الدولة الأردنية وقوة مؤسساتها وتماسك نسيجها الوطني.
بلاشك تعكس المشاهد السياسية المتتالية أن حكمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، تلك الحكمة التي ورثها عن والده الملك الحسين طيب الله ثراه، كانت حاضرة بقوة في إدارة هذا الملف الشائك. فالقيادة الهاشمية عبر تاريخها الطويل، عرفت كيف توازن بين ضرورات الحزم في مواجهة التهديدات وبين قيم التسامح والانفتاح التي تميز المجتمع الأردني. تكشف القراءة المتأنية للمشهد أن هذه الحكمة ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لنهج هاشمي أصيل في حماية الأردن وشعبه من كل المخاطر، مهما كان مصدرها أو شكلها.
تؤكد الأدلة والمعطيات المتوفرة أن المخطط الإرهابي الذي كشفته الأجهزة الأمنية الأردنية كان يستهدف ضرب السلم والأمن الأهلي في المملكة، وزعزعة استقرارها في توقيت بالغ الحساسية تمر به المنطقة. وما يثير القلق والاستغراب هو تورط حركة حماس في هذا المخطط، تلك الحركة التي طالما وجدت في الأردن حاضنة شعبية ورسمية داعمة لقضيتها. إن هذا التورط يكشف عن حقيقة الارتباط العضوي بين حماس وجماعة الإخوان المسلمين، ويؤكد أن الأجندات التنظيمية لهذه الجماعات تتقدم على المصالح الوطنية للدول التي تستضيفها أو تتعاطف معها.
لقد شهدنا في السنوات الماضية كيف أصيبت بعض الدول العربية بـ”مرض الإخوان”، وكيف كادت أن تسقط في براثن مشروعهم التخريبي لولا العناية الإلهية التي أنقذتها من شر عظيم. ولعل التجربة المصرية تمثل نموذجاً صارخاً لمخاطر تمكين هذه الجماعة من مفاصل الدولة، وكيف أن الشعب المصري العظيم انتفض ضد حكمهم بعد أن اكتشف حقيقة مشروعهم الذي لا يمت للوطنية بصلة. إن الدروس المستفادة من هذه التجارب كانت حاضرة في ذهن صانع القرار الأردني، وهو يتخذ قراره الحاسم بحظر هذه الجماعة ومنعها من العمل على الأراضي الأردنية.
بلاشك فإن الأردن، كما أثبتت الوقائع، دولة تعي وتدرك التوازنات وتعطي للأحداث مساحتها وهي تمسك برسنها وخطامها. فإن حان وقتها وخرجت رؤوس الفتنة، كانت سباقة بسيف العدل تجندل مجرميها من على ظهور الخطايا. إن توقيت القرار وحزمه يعكسان قدرة الدولة الأردنية على اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب، دون تهاون أو تغابن، فسلامة الوطن وشعبه وقيادته خط أحمر لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف من الظروف.
بكل ثقة، يمكن القول إن قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن يمثل انتصاراً للدولة الوطنية على قوى الظلام والتطرف، ويؤكد أن الأردن بقيادته الحكيمة وشعبه الواعي، سيظل عصياً على كل المؤامرات التي تستهدف أمنه واستقراره. إن هذا القرار يرسل رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه العبث بأمن الأردن، مفادها أن الدولة الأردنية قادرة على حماية نفسها ومواطنيها، وأنها لن تتردد في استخدام كل الوسائل المشروعة لمواجهة أي تهديد، مهما كان مصدره أو حجمه.
إن الأردن الذي صمد في وجه كل التحديات على مر العقود، سيواصل مسيرته نحو المستقبل بخطى ثابتة وإرادة صلبة، متسلحاً بحكمة قيادته ووعي شعبه ومتانة مؤسساته، ليبقى، كما كان دوماً، واحة للأمن والاستقرار في منطقة مضطربة تعصف بها رياح الفوضى والتطرف.
حمى الله الأردن مليكا وشعبا.