قلتها أثناء اشتغالي ضمن لجنة تحكيم الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، وأعيد قولها بكل فخر بعد انتهائنا من أشغال لجنة تحكيم جوائز الصحافة الفلاحية والقروية: لدينا صحافيات وصحافيون متميزات ومتميزون في المغرب، يشتغلون في مختلف أنواع الإعلام بجد، وصمت، وحياء.
يقدمون منتوجا محترما للغاية، فيه شروط التميز الكثيرة، ويستحقون أن تكون لديهم متابعة أكبر من تلك التي يمنحها الجمهور العادي لأصوات الضوضاء في البلد.
وإذا ما شئتم الحق، أصبحت مقتنعا أن أصوات الضوضاء، التي لا تمتلك من أجناس المهنة، ولا قواعدها ولا أدبياتها، ولا من التحكم في ناصية لغاتها المختلفة أي شيء، تتعمد هذا الصراخ الجاهل لكي تلفت الانتباه إليها، وتتعمد اصطناع المعارك الفارغة والمضحكة مع نفسها، ومع الآخرين فقط لكي يحس الناس بوجودها، لأنها لا تستطيع تقديم منتوج مهني احترافي فعلي يحترم قواعد الحرفة، ويحترم أساسا المتلقي الذي يتوجه إليه، قارئا أو مشاهدا أو مستمعا.
لحسن الحظ تأتي لحظات جوائز مثل هاته لكي «تجبرنا» على الاطلاع على مجهود زميلات وزملاء يشتغلون بهدوء وفي حياء، ودون إثارة أي صوت أو ضجيج أو ضوضاء. وحقيقة تشعر بكثير من الحزن والغضب حين تتأكد أن لديهم قدرات مهنية هائلة وعالية ومحترمة وتستحق الكثير من الأضواء، لكن الضوء مسلط بكل جهل على آخرين وأخريات، فقط لأن هذا «الجنس» الأخير يتقن «الصداع» و«الغوات».
ما علينا من هؤلاء، ولنعد للصادقات والصادقين من أبناء المهنة لكي نطمئنهم بأنه لن يصح إلا الصحيح، وبأن أهم خطوات إنقاذ ميداننا تبدأ بالتشبث بقواعد الحرفة، وبتقديم منتوج محترم يتحدث عن نفسه، وبمقاومة الرداءة والصراخ الجاهل بالعمل الجدي الذي التقينا بنماذج كثيرة منه في هذه الجائزة، وفي غيرها، والذي ينجح كل مرة في إخراجنا من حالة اليأس وشبه الاقتناع أن الصحافة في المغرب «ضربها الخلا».
لا، بنات وأبناء هذه المهنة، والذين لا يمارسون أي مهنة، أو هواية، أو انشغال، أو احتراف آخر غيرها، سينقذونها بالعمل الجدي الرصين المحترم لعقل المتلقي، والذي يدافع عن نفسه بنفسه.
لمثل هذه الطمأنة تصلح جوائز مثل هاته: لكي لا نضع «السلاح» المهني نهائيا، ونستسلم لأصوات الضوضاء الجاهلة، وهي تعتدي على ميداننا وتحتله دون وجه حق، ولا تكتفي بممارسة هذا الاحتلال الغاشم فقط، بل تشرع بكل صفاقة ووقاحة غير غريبين عنها في المطالبة بالتخلص من بنات الميدان وأبنائه الحقيقيين، لكي يخلو لها المجال تماما.
في هذه المعركة بالتحديد، من أجل مهنتنا، بيننا وبينهم المهنة، وهي التي ستنتصر في نهاية المطاف.
تذكروا جيدا هذا الكلام.