AHDATH.INFOرغم السياق الدولي غير المواتي بسبب تداعيات الجائحة، نجح الاقتصاد الوطني خلال سنة 2021 في تحقيق نتائج ملحوظة، بفضل التعبئة الاستثنائية تحت القيادة الملكية، ما مكن المغرب من مواجهة واحدة من أصعب الأزمات العالمية في العقود الأخيرة، وضمان عودة سلسة للنشاط الاقتصادي والاجتماعي، وفق ما كشفه التقرير السنوي  الذي قدمه والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إلى صاحب الجلالة للسنة المالية 2021.وأشار الجواهري أن الجائحة كشفت قدرة المغرب على مواجهة حالات الطوارئ والتحديات الكبرى، بفضل  التخطيط الجيد والتتبع الوثيق مع العزيمة والاصرار،ما حول الأزمة إلى فرصة لتعزيز الثقة وإحياء الأمل في تدارك بل تجاوز الانجازات الاقتصادية والاجتماعية المسجلة قبل الجائحة، بالموازاة مع النجاحات الكبرى التي حققتها الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، ما رسخ مكانة المغرب كشريك ذي مصداقية على الصعيد القاري والإقليمي والدولي.وأشار الجواهري أنه تزامنا مع التفاؤل الحذر لاستعادة اقتصادات الدول لعافيتها بعد الجائحة، أربكت الحرب في أوكرانيا كل الحسابات بعد زعزعة الأوضاع الدولية، وهو ما فتح قوس الشكوك القوية حول آفاق الاقتصاد الوطني بسبب التغيرات الدولية التي كبحت الانتعاش الهش للنشاط الاقتصادي العالمي المتزامن مع خطر حدوث أزمة غذائية عالمية حسب ما نبهت إليه الأمم المتحدة، منبها إلى أن السياق الدولي الضبابي يدفع إلى الترقب بدل اتخاذ القرار، والتوفير على الاستثمار والاستهلاك، وهو ما يفسر  التباطؤ في النمو وفي إحداث فرص الشغلويرى والي بنك المغرب، أن الوضع الراهن يفرض على السلطات ألا تقتصر فقط على الاستمرار في لعب دور اقتصادي واجتماعي محوري، بل يتعين عليها كذلك أن توفر الرؤية اللازمة لتحفيز استثمارات ومبادرات القطاع الخاص وتعزيز الانخراط في القرار العمومي، ما يستوجب شفافية أكثر في مراحل اتخاذ القرارات والتواصل بوضوح حول الأسس التي تنبني عليها الاختيارات المعتمدة والتقييم المنتظم والموضوعي لتنزيل هذه القرارات.أوراش كبرى بحاجة لسرعة التنزيل وتتبع التنفيذواعتبر الجواهري خلال التقرير الذي تقدم به بين يدي جلالة الملك، أن  العديد من الأوراش التي توجد قيد الإنجاز لا تأخذ بالاعتبار هذه المتطلبات الأساسية بالشكل الكافي، علما أن هذه المشاريع تكتسي أهمية قصوى تستدعي تنزيلها في أسرع الآجال، مستدلا  بورش إصلاح قطاع التعليم الذي يفترض أن يعكس رؤية تمت صياغتها منذ عدة سنوات، وتحويلها إلى قانون إطار تم اعتماده سنة 2019،  إلا أن تنفيده اليوم على شكل  إجراءات تبقى صعبة التحديد ولا يجري تتبع تنفيذها استنادا إلى الأهداف والآجال المسطرة، ولا يخلو هذا الغموض حسبب الجواهري، من عواقب على التعبئة التي من المتفرض أن تصاحب هذا الورش الحاسم والتي تظل ضرورية لتحقيق أهدافه، لاسيما وأن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن الوضع مثير للقلق، وبالفعل تبين نتائج نسخة 2019 من البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات أن هدف مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص في أفق 2030 لا يزال بعيد المنال، والفجوة بين المدارس العمومية والخاصة من جهة ، والمدارس في المناطق الحضرية والقروية من جهة أخرى، عميقة وتستمر في الاتساع، بالإضافة إلى ذلك فإن ثغرات التعلم المتراكمة بسبب القيود الصحية والاضطرابات الناجمة عن مشاكل نظام التعاقد، التي لم يتم حلها منذ سنة 2016، لم تزد الوضع إلا سوءا.مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، كان له نصيب من ملاحظات والي بنك المغرب الذي لم يخف قلقه من أن يكون مآله على غرار  تجربة نظام المساعدة الطبية "راميد"، حيث أشار إلى عدد من التساؤلات حول طبيعة الخدمات التي سيتحيها وجودتها، مؤكدا أنه بدون تعزيز الشفافية والالتزام القوي للسلطات المكلفة بتنفيذه، لن يرقى الانخراط في هذا المشروع إلى المستوى المأمول بالنسبة لبعض الفئات من الساكنة المستهدفة، موضحا  أن تحقيق هذا الورش يستلزم تعبئة موارد مهمة، في حين تظل قدرة بعض فئات الساكنة على المساهمة ضعيفة، وهوامش ميزانية الدولة محدودة والمشاريع الموازية التي من شأنها أن توفر جزء من الموارد الضرورية غير مكتملة إلى اليوم، ويتعلق الأمر أساسا بإصلاح نظام المقاصة الذي بدأ سنة 2013 وبإحداث السجل الاجتماعي الموحد، المزمع تنفيذه منذ عدة سنوات.توازنات مالية مثيرة للقلق وتوسيع قاعدة ضريبية منتظرتقرير والي بنك المغرب سلط الضوء على الضغط  المتزايد على موارد الدولة، والذي يتفاقم بالنظر إلى عمله على الاستجابة للأولويات الاجتماعية، مثل التعليم أو استكمال بعض الإصلاحات العاجلة كتلك المتعلقة بنظام التقاعد، حيث تعرف التوازنات المالية لبعض الأنظمة "تدهورا سريعا ومثيرا للقلق"، حسب الجواهري الذي تحدث بقلق عن أساليب التمويل الجديدة التي يتم اللجوء إليها لمواجهة نقص الموارد منذ 2019،  معتبرا أن تداعياتها غير معروفة، فعلى عكس عمليات الخوصصة التي تستند إلى أساس قانوني ومنطق اقتصادي، لا تستجيب عمليات تفويت ممتلكات الدولة لفائدة المؤسسات العمومية بشكل واضح لهذه المتطلبات، وهو ما دفع عبد اللطيف الجواهري إلى الحديث عن ضرورة  إجراء تقييم دقيق لطريقة التمويل لاتخاذ القرار بشأن جدوى استمراريتها.وعن تعزيز مصادر موارد ميزانية الدولة، أشار والي بنك المغرب إلى توسيع القاعدة الضريبية الذي ينجز ببطء، بسبب تمديد الإعفاءات المتعددة منذ سنوات ما يحرم الدولة سنويا من موارد تقارب 2.5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ما يستدعي حسب الرجل إلزامية دخول القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي حيز التنفيذ، ليخفف من مشكلة تمركز الضغط الضريبي، في ظل نسيج إنتاجي هش ومفكك، ساهمت الجائحة وما تلاها من ازمة في مفاقمة وضعه السيء، حيث تزداد الصعوبات بسبب الثقل الضريبي، ومنافسة القطاع غير المهيكل وظاهرة الرشوة التي تهدد النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، والتي وصفها الجواهري بأنها من مظاهر عجز بنيوي يعاني منه المغرب.وأشار والي بنك المغرب، إلى أنه على الرغم من الإرادة والعزيمة والعديد من النصوص والتدابير، لا يزال المغرب عاجزا عن إحراز أي تقدم يذكر بشأن الرشوة، بل إن أداءه السلبي على مستوى التصنيفات الدولية يبين بعض التراجع في السنوات الأخيرة، مما يستدعي إعادة النظر في المقاربات المتبعة إلى الآن واتخاذ إجراءات أكثر قوة وأكثر حزما.مستوى جودة الحكامة من المعطيات التي تظهر المفارقة التي يعيشها المغرب، فرغم المجهودات الحثيثة في عملية الإصلاح،يبقى الأداء الاقتصادي والاجتماعي حسب والي بنك المغرب "دون الانتظارات"، وذلك تزامنا مع تسجيل المغرب لأحد أعلى معدلات الاستثمار في العالم، لكن وتيرة نموه تظل بطيئة !! ما ينعكس على سوق الشغل ا لذي لم يسلم من تأثير ضعف المردودية، حيث يشتغل أزيد من 10 في المائة من الأشخاص النشيطين في أعمال غير قارة أو موسميين، ولا يتوفر أكثر من نصفهم على أية شهادة تعليمية، وأمام هذه الوضعية، قال والي بنك المغرب، أن تغيير النهج المعتمد لسياسات الدولة في هذال المجال أصبح ضرورة لا ميحد عنها، بدل إحداث والحفاظ على مناصب شغل ليست لها أية قيمة مضافة تذكر، لا تتجاوز توفير مصدر   عيش يكرس هشاشة الشغل التي تشكل على غرار البطالة شكلا من أشكال الإقصاء الاجتماعي.ودعا والي بنك المغرب بالمقابل إلى  مواكبة الأشخاص النشيطين لتشجيعهم على العمل في أنشطة ذات إنتاجية عالية، كما حذر من استقطاب الدول المتقدمة للكفاءات المغربية ما يتسبب في نزيف مقلق يستلزم اتخاذ تدابير مستعجلة للتخفيف من وتيرته.المصلحة الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار شخصي فئوي أو حزبيتزامنا مع التغيرات المناخية وتداعياتها المعقدة على الدول، نبه والي بنك المغرب إلى ضرورة التعامل وفق رؤية تستند لتغيير جذري عند إعداد السياسات العمومية، وذلك باستحضار أولوية محاربة التغير المناخي، بعد أن أشارت العديد من التقييمات أن المغرب يتجه بوتيرة مقلقة نحو عجز حاد في الموارد المائية، واعتبر الجواهري أنه على الرغم من تجليات هذه الإشكالية من جهة، وتعدد النصوص والتدابير المعتمدة من جهة أخرى، يظل الوعي بخطورة الوضعية غير كاف على الإطلاق، ما يتطلب مقاربة شمولية وصارمة تهدف إلى جعل الاعتبارات المناخية إحدى العناصر القارة التي يجب مراعاتها في بلورة أي سياسة في القطاع العام أو الخاص.وتزامنا مع دخول العالم لمرحلة ما بعد الجائحة التي أفرزت توجهات نحو تعزيز السيادة الاقتصادية، وإعادة التفكير في تعددية الأطراف، وتعزيز الاعتبارات المناخية وتسريع الرقمنة بما تنطوي عليه من فرص ومخاطر، إضافة إلى الاختلالات  طويلة الأمد المرتبطة بالتطورات الجيوسياسية و تسريع إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد ... دعا عبد اللطيف الجواهري، إلى ضرورة تجند كل القوى الوطنية والأطراف المعنية خلف جلالة الملك، بروح المصلحة الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار شخصي فئوي أو حزبي، من أجل مواجهة هذه الظرفية الصعبة والمحفوفة بالشكوك،لتمكين الاقتصاد المغربي من الارتقاء إلى مسار تنموي قوي وشامل ومستدام، قادر على تحقيق الطموح المنشود بالالتحاق بمصاف الدول الصاعدة اقتصاديا واجتماعيا، وذلك استنادا على المؤهلات الرئيسية للمغرب، و المتمثلة في ثوابته الوطنية ورأسماله البشري.