الجميل/ القبيح في مواقع التواصل، أنها كاشفة عورات بامتياز، يكفي أن الوالج إليها لا يمنع نفسه من الانخراط في كل نقاش. وكم يصبح الأمر مغريا حين يلمح أحدهم تدوينة مذيلة بعدد من اللايكات، ليقرر في لمح البصر أنها بضاعة اليوم الرائجة التي يجب أن يسارع بدوره لإعادة تدويرها وحيازة حصته من اللايكات اليومية، مع تتبيلة من السخرية والتنمر التي تخفي هشاشة طرحه وفقر معلوماته حول الموضوع.
نهاية الأسبوع الماضي، أثار ملصق لندوة حول موضوع "النساء والتغيرات المناخية"،المنظم من طرف النساء الاتحاديات، جدلا واسعا عكس حجم البؤس المعرفي والأخلاقي المنتشر على مواقع التواصل، و بدون معرفة من كان له "شرف السبق" في التوثيق لأميته حول علاقة التغيرات المناخية بتعميق الواقع البئيس لنساء الهامش، سارع الكثيرون في تلقف هذه الملاحظة وانخرطوا في حملة سخرية وتنمر وتهكم على اختيار الموضوع، بينما البعض اختار تصريف حساباته السياسية مع الحزب، في حين تفرغت فئة أخرى لفضح رواسبها النفسية والفكرية من النساء، بعد أن استشكل عليها الربط بين المناخ والنساء، ليعتبروا الموضوع نوعا من "التباكي النسائي" الذي يقحم المرأة في أي حديث، وإلا ما علاقة المرأة بالمناخ ؟؟؟ !!!
وهنا نقول لهم : كان يا ماكان، خلال انشغالكم حد الهوس بانتقاد بطلات الروتين اليومي، واستغفاركم عقب التتبع الوفي لتفاصيل فضيحة فلان وعلانة ... كانت هناك ندوات ومقالات وحوارات ووثائقيات تحذر من التداعيات المدمرة للمناخ، وما ينتظر هذا العالم البائس من مخاطر وتحديات تستدعي تدخل الكل للمساهمة بطريقته وعلى قدر المستطاع في إنقاذ هذا الكوكب /السفينة الذي تتلاطمه تغيرات مناخية لا تفرق حين تكشر عن أنيابها بين عالم متقدم وآخر في طريق النمو، أو بين قارة عجوز وأخرى في طور الفتوة، ولكنها حتما ترمي بحملها بطريقة متفاوتة على الفئات الأكثر هشاشة، والتي تتصدر النساء ضمنها لائحة المتضررين، باختصار لأن لهن خصوصية سيكون من المخجل إعادة التعريف بها في كل محطة، وكأن العالم يتعرف مع طلعة كل شمس على النساء لأول مرة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
وبما أن المناسبة شرط، فلا بأس من التذكير أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يشير أن 80 في المائة من المتضررين بسبب التغيرات المناخية هن من النساء، ببساطة لأن أعداد النساء أكثر، لذلك عندما تتسبب التغيرات المناخية في أمطار تتزامن على سبيل المثال بتداعيات زلزالية كما كان الأمر في الحوز، فإن النساء يصبحن بلا مأوى، ويفقدن جزء كبيرا من خصوصيتهن حيث تغيب المراحيض والحمامات، وترتفع حوادث الاغتصاب والاتجار بالبشر، لترتفع معه معدلات تزويج القاصرات لأن الأسرة تفكر في أخف الضرر على البنات فتفضل تزويجها لمن يوفر لها مسكن ومأكل، بدل المبيت في خيام.
وحين تتسبب التغيرات المناخية في الجفاف، سيكون على النساء تحمل مشاق التنقل لجلب المياه والحطب، ما يعرضهن لخطر الاغتصاب والتحرش والتضييق والإنهاك الجسدي بسبب وعورة التضاريس، إلى جانب التداعيات الصحية، حيث أوضحت دراسات تابعة لمنظمة الصحة العالمية، أن تأثيرات المناخ تضر بالنساء بشكل أكبر لحاجتهن الكبيرة للمياه من الناحية البيولوجية المختلفة عن الرجل، كما أن عدم حصول النساء على مستويات كافية من النظافة الشخصية بسبب نقص إمدادات المياه، يعرضهن للأمراض الناجمة عن العدوى، خاصة تلك المرتبطة بفترات الولادة .
وقد تختار الأسر الاعتماد على طفلاتهن لضمان مدخول وقت الجفاف، حيث يلتحقن بالمدن طلبا للعمل، وهنا تبدأ فصول معاناة جديدة من الاستغلال المسيج بالكثير من الصمت واللامبالاة التي تزيد الوضع تعقيدا.