هاته الكائنات !!!

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 27 يونيو 2024
No Image

إبتلانا رب العزة جل وعلا - ونحن دأبنا على عدم الاعتراض على المشيئة الإلهية، منذ المجيء وحتى الذهاب، لأن القبول بشر القدر وخيره، هو المعيار الأول في الإيمان - بكائنات افتراضية كانت تعيش معنا، قبيل مجيء الأنترنيت، في عالمنا التناظري البسيط، تنظر إلينا وننظر إليها دون إشكال، و إذا ماأردنا التواصل معها تحدثنا إليها وجالسناها وأحسسنا بحضورها، مثلما تحس هي بحضورنا، وفجأة فقدناها في الواقع الافتراضي الكاذب والمكذوب.

أصبحت تعيش هناك. لنقل إنها هاجرت أو بالدارجة "حركات" نحو عوالم تصنعها وتشكلها على هواها، تجد في اختلاقاتها والأكاذيب راحتها طالما لم تعد قادرة - هاته الكائنات - على تحمل الواقع الحقيقي، المعيش والملموس.

آثارها علينا جميعا وخيمة، ذلك أننا في الأصل، لم نكن مهيئين للقفزة الرقمية التي تمت في غفلة منا، ونحن لازلنا نعيش في عصور أخرى. لذلك كان المفعول أسوأ.

هاته الكائنات قطعت شعرة معاوية مع الواقع، وأصبحت أسيرة الخيال الافتراضي الذي يشطح بها كل يوم شطحات غريبة ومختلفة.

لذلك هي لاتعرف عنا أي شيء، وإن كانت تتحدث باسمنا بكل استسهال، فتجدها تقول مثلا "حنا الشعب"، "حنا المغاربة"، "حنا الأغلبية"، وعبارات أخرى مماثلة يلزمك لكي تتحلى بالشجاعة الكاملة لادعائها عشرات الاستحقاقات الانتخابية والمئات من استطلاعات الرأي الرصينة والعالمة، لكي تنبس بها وأنت مطمئن، وتقرر الحديث باسم شعب بأكمله، دون أن يكلفك الشعب المسكين بأي شيء.

كائنات "بالعاني" هاته مشكلة حقيقية، خصوصا وأنها أتت في اللحظة الخطأ فعلا. فلا السياسة بقيت سياسة تغري حقا، فيها أحزاب مغرية وقيادات تجذب الانتباه. ولا الصحافة والإعلام بقيا ذلك المجال الذي كان حكرا في السابق من الأوقات على المثقفين أهل الكياسة والأناقة، "الزاطمين" على "الزبيبة" الشهيرة لتذوق حلاوتها. ولا حتى الجمهور بقي ذاك الجمهور، الواعي، العالم، الدارس، الفضولي بشكل إيجابي، المتطلع إلى القدوة الحسنة يبحث عن تقليدها، لا الحالم بتقليد تشوهات المجتمع وأعطابه من أجل قليل من "مصروف الجيب" يتباهى به أمام الأغبياء.

لذلك مصابنا جلل مع هاته الكائنات التي لاتجد أمامها أي قوة مضادة تفرمل على الأقل مد الغباء والكذب الطافح منها.

ولذلك الأمر خطير فعلا.

وخطورته الكبرى ليست على الكهول منا والشيوخ، وبقية من "فات فيهم الفوت".

الخطورة هي على الذين فتحوا الأعين من الوافدين الجدد، فلم يجدوا كتبا ولا مجلات ولا قصصا ولا روايات ولا أسرا متماسكة ترافقهم، ولامدرسة جدية ترافقهم، ولا جيرانا عاقلين يحمونهم مثل الأبناء أو أكثر، ولا مجتمعا غير مؤمن بالاستهلاك الأحمق يتنافس حول من سيصرخ بعبارة "ترشرش" أكثر من الآخرين.

جيل وجد أمامه فقط كائنات الضياع هاته، تعيش واقعا هو كالواقع فقط، مبنيا على الاستيهامات من بدئه حتى المتم، وقيل له "هاته هي النماذج…إتبعها وأنس عنك بقية البقية".

هذا الجيل هو مصابنا الجلل الحقيقي، وهو الذي يجب أن يشعرنا بالرعب الفعلي من كائنات الكذب ومن حياة الاختلاق والتزوير الموجودة في الافتراضي.

المصيبة هي أننا نستهين اليوم بهذا الدمار، ونعتبره عاديا ومن "ضرورات الوقت" وكفى، ولن نحس بهوله فعلا، إذا ماواصلنا على المنوال ذاته، إلا بعد فوات الأوان.

لنقلها بشكل واضح عوض الاستمرار في التشخيص المرضي: إعلامنا وأحزابنا وجمعياتنا وبقية نخبنا، إن كانت لدينا نخب حقا، لديهم دور وعليهم مسؤولية لابد من الإسراع اليوم قبل الغد في القيام به والنهوض بها، عوض الاستمرار في "السليت" نحو بروج لم تعد عاجية، وسب المجتمع من عل، والتبرم بكل تأفف وتقزز وترديد عبارة "ماكاينش معا من".

هذا الهروب الجبان لن تستفيد منه إلا تلك الكائنات الضارة التي تتذكرون بدون شك بعضا من أسمائها ووجوهها الكالحة وأنتم تطالعون هذا الكلام.

أليس كذلك؟