أقسم بالله العظيم

بنزين سكينة الثلاثاء 06 أغسطس 2024

مقترحات بالجملة يتمنى المواطن المغربي لو أنها تأتي على لسان نوابه المحترمين، لتعطي إشارة أنهم بالفعل امتداد لنبض الشارع وأهل لتمثيله، كمقترح قوانين متشددة في التعاطي مع الأخطاء الطبية التي لا حسيب ولا رقيب عليها، أو مقترحات تتعلق بالحد من جشع المضاربين بالأسعار، أو التصدي لفوضى مواقع التواصل التي أصبحت مصدرا لنشر محتويات تنسف كل ما راكمه المغرب لعقود في مجال حقوق المرأة والطفل، أو مقترحات تتعلق بالتشدد في مواجهة السلوكيات المهددة للبيئة في ظل تغيرات مناخية قاسية ترمي بظلالها على صحة وجيوب المغاربة ...

لائحة المقترحات طويلة، لكن اهتمامات نوابنا المنزوين في "قبتهم العاجية"، كان لها رأي آخر عندما وضعت بكل سخاء 1100 تعديلا يتعلق بمسطرة مدنية تتكون من 600 مادة، كان من بينها مقترح فرق الأغلبية بمجلس النواب التي دعت لتعديل عبارة قسم اليمين من "أقسم بالله العظيم" لتصبح "أقسم بالله" فقط، أي التخلي عن صفة "العظيم" بحجة احترام باقي الديانات !!! قبل أن تقرر سحب التعديل، بعدما أبدى وزير العدل عبد اللطيف وهبي عدم موافقته عليه .. على غير عادته في تبني مواقف مثيرة للجدل !!

فرق الأغلبية عللت  مقترحها الذي تقدمت به على المادة 149 من مشروع قانون المسطرة المدنية، بكون الفقهاء صرحوا بأن حلف غير المسلم عند القضاة في الحقوق هو كحلف المسلم، استنادا على قول" خليل ابن إسحاق المالكي: واليمين في كل حق بالله الذي لا إله إلا هو ولو كتابيا"، إلا أن قول ابن إسحاق ليس دعوة لإسقاط اسم / صفة العظيم عن الله، بل تأكيد على مرونة وسعة القضاء الإسلامي وعدم تعنته في فرض عبارات محددة على المختلف عقديا، لوجود عبارات تحقق المقصود بالقسم من حيث ترديد ما يفيد التزام الصدق والتمسك به.

كما أن التعليل المرفق بالمقترح، يكشف جهلا كبيرا بحقيقة أسماء الله في الديانات السماوية، لأن صفة العظيم ثابتة لله في كل الديانات، ففكرة الخضوع عموما لا تكون إلا لمن هو أعظم، وفي النصوص السامية على سبيل المثال، ورد اسم «إيل»  الذي يشير إلى الإله الأعظم المتقدم على باقي الآلهة، أو الإله الخالق لما تحمله صفة الخلق من عظمة وتفرد، كما أشار سفر المزامير إلى كون "الرب إله عظيم وملك كبير على كل الآلهة"، إلى جانب سفر أرميا الذي يشير لقدرة الإله يهوه بالقول "لا مثل لك يا رب ، عظيم أنت وعظيم اسمك في الجبروت".

إن محاولة البعض الظهور بمظهر المتقبل للاختلاف، توقعه من حيث لا يدري في خانة طمس مظاهر الالتقاء، فنحن كديانات سماوية نبقي في نهاية المطاف، دينا واحدا على خط زمني ممتد، ولتوضيح هذه الحقيقة سنكون بحاجة لمبادرات مبنية على معرفة متعمقة، وقناعات راسخة مترفعة عن الشعارات والتراندات الحقوقية، والمثال هنا أسماء الله وصفاته التي تشكل مدخلا لنقاش عقدي حقيقي يوفر كل ضمانات الانفتاح على الآخر دون عقدة نقص أمام تحامل الاتهامات الموجهة للإسلام ، أو عقدة تفوق تحت مسمى خاتمية الرسالة التي توضع في سياقها الخطأ، لتغلق باب الانفتاح على الديانات السابقة للإسلام لفهم أكثر امتدادا في الزمن، يحيل على أصل الأشياء.

ولو عدنا برحابة صدر للكتاب المقدس، لوجدنا أسماء الله الحسنى واضحة في عدد من الأسفار كالرحيم والرؤوف والمصور، والخالق والمهيمن، الصانع، البارئ الأول والآخر ... وغيرها من الصفات التي لن يستغرب أتباع الديانات الأخرى وجودها في الإسلام، بقدر استغرابهم من محاولات إزاحتها باسم الانفتاح على الآخر.