كانت فقرة «لقاء خاص» إحدى الفقرات المميزة من برنامج المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات، لقاء كان بطعم البوح الفني و"السيرذاتي" لفنان طالما ألهبت أغانيه محبي الفن الملتزم من المغرب إلى أوربا، مرورا بدول الشرق الأوسط من قبيل: سوريا، لبنان وفلسطين. وفي لحظة البوح التي احتضنها المركب الثقافي بسطات، بعد زوال أمس الأربعاء، وفي فضاء فني أثثه لوحات المعرض التشكيلي، تحدث «سعيد الرباج» الذي اشتهر بلقب «المغربي» تمييزا له عن غيره من الفنانين الآخرين ممن سبقوه أو جايلوه، أو أولئك الذي أتوا بعد (تحدث) عن نشأته بأحد أحياء مراكش وهو"درب السمارين" وكيف قضى طفولته في أزقة وشوارع عاصمة البهجة، وكيف تولع بالموسيقى منذ نعومة أظافره وانطلقت موهبته من السليقة والعفوية، منبهرا في البدء بالموسيقى وليس بالغناء، كما قال، ومتأثرا بوسطه الاجتماعي مرتبطا ارتباطا وثيقا بالأحياء العتيقة.
في اللقاء الخاص،على هامش مهرجان سطات لفيلم الهواة ، استرجع «سعيد المغربي» مع الحاضرين الذين غصت بهم قاعة معرض الفن التشكيلي بالمركب الثقافي لعاصمة الشاوية، ذكريات بعضها يحمل الكثير من الفرح والاعتزاز، وبعضها ينطوي على نكسات وعراقيل، لعل أولها عدم تقبل والده، ذي التكوين العسكري أن يكون نجله موسيقيا، لذلك عمد إلى كسر القيثارة التي قال «سعيد» إنه اشتراها من سوق "الدلالة"، بعد أن دخل في مزايدة عليها. هو الذي نشأ في أسرة تضم 11 ابنا 5 إناث و6 ذكور. كما عرج خلال حديثه عن البدايات، مصرحا أن ولوجه إلى عالم الموسيقى جاء بتوجيه من أحد أساتذته، بعد مشاركته في أنشطة دار الشباب.
تحدث سعيد عن مشاركته في المسابقات الموسيقية التي كانت تنظم في زمن السبعينيات من القرن الماضي، ومشاركته فيها، عبر (بطولة الأغنية ومواهب) الذي كان يشرف عليه مربي الأجيال موسيقيا الأستاذ «عبدالنبي الجيراري» واحتفاء هذا الأخير به مبكرا به، بعد أن وقف على موهبته غناء وعزفا. وكيف استعار البدلة التي ظهر بها في هذه المسابقة من صديقه الحلاق.
كانت بداية تلمس «سعيد المغربي» للعزف، وعكس ما أصبح معروفا عنه من كونه عازفا على آلة العود، على آلة وترية أخرى غير تلك التي حملها وحملته أوتارها إلى الآلاف من جماهيره.. فقد انطلق منذ شبابه بالعزف على القيثارة التي "ناضل" من أجل اقتنائها، وناضل كذلك من أجل آصلاحها بعد أن اختار والده كسرها.
في«اللقاء الخاص» تحدث «سعيد» عن سفر اضطراري قاده للهروب تجنبا للاعتقال.. سفر أخذه إلى أوربا انطلاقا من إسبانيا، ليستقر به المقام في باريس، حيث عاش وأكمل تكوينه الأكاديمي الذي بوأه بشهادة دكتوراه، وعندما الانفراج والعودة إلى الوطن، سافر سعيدا في مرات عديدة اختيارا، محلقا في عوالم فنية من أجل تقديم أو المشاركة في حفلات، غنى فيها عن الأمل والحلم والثورة، وغنى خلالها كذلك عن الحب والحياة.
في ذات اللقاء تحدث «سعيد المغربي» عن الكثير من المشاريع المجهضة، أو التي كتب لها الإجهاض "بإيعاز من أعداء النجاح" أو من "المتلصصين" أصحاب النفوس المريضة، موردا مثالا على ذلك بالموسيقى التصويرية لفيلم نبيل عيوش (مكتوب) التي اشتغل عليها بناء على طلب من المخرج، وعندما أتمها انقطع تواصل طالبها معه، لتظل حبيسة الرفوف. وفي المقابل تحدث كذلك عن مشاريعه الناجحة التي سترى النور شهر مارس القادم، بعد أن اختار الاشتغال على ريبرتواره الفني من أجل إعادة إخراجه بصيغ جديدة.
ورغم ذلك وفي عالم الفن العربي، فإن الفنان سعيد المغربي يبرز كأحد الأسماء التي تجمع بين الإبداع الفني والرسالة الاجتماعية. هو الذي وُلد في بيئة غنية بالتراث الثقافي، لتكون بداياته الفنية عبارة عن رحلة طويلة من التعلّم والمثابرة، ليصبح اليوم رمزاً من رموز الفن الملتزم الذي يعكس قضايا المجتمع وهموم الإنسان.
يمزج «سعيد المغربي» في أعماله بين الفن والواقع الاجتماعي، حيث كانت لوحاته وأعماله الموسيقية انعكاساً للصراع الذي يخوضه الإنسان في سعيه وراء العدالة والحرية. كما كان المغرب، وطنه، وما يمر به من تحديات اقتصادية وثقافية، مصدر إلهام مستمر لخلق أعمال فنية ذات رسائل عميقة. وكفنان ملتزم، لم يكن يقتصر عمله على تقديم الفن فقط، بل كان يسعى إلى إحداث تغيير إيجابي في المجتمعات التي تعيش في ظل ظروف صعبة.
عرف عن سعيد المغربي إيمانه العميق بمفهوم الفنان الذي يتحمل مسؤولية مجتمعه، فقد شارك في العديد من الفعاليات السياسية والاجتماعية التي تهدف إلى رفع الوعي حول قضايا حقوق الإنسان والحريات. كما سعى لتسليط الضوء على معاناة الفئات المهمشة والمحرومة في مجتمعه، مستخدمًا في ذلك أدواته الفنية المختلفة، من الرسم إلى الموسيقى، لتكون صوته الأقوى في ميدان المعركة الثقافية.
فسعيد المغربي ليس مجرد فنان، بل هو رمز للفن الملتزم الذي يعمل على تجسيد القيم الإنسانية، ويعكس هموم وطموحات الشعب العربي. قد تكون أعماله عبارة عن نافذة للعالم الخارجي لرؤية معاناة وآمال شعوب المنطقة، لكنه أيضًا يمثل الأمل في أن الفن يمكن أن يكون أداة للتغيير، ووسيلة لتوثيق التاريخ الاجتماعي والسياسي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });