سؤال فقط...!

بقلم: المختار الغزيوي الجمعة 21 فبراير 2025
437558316_871453971693454_329807091093722925_n
437558316_871453971693454_329807091093722925_n

هل يمكن أن يقول الإنسان، دون أن يخونه أحد، إن مشهد مقتل رضع فلسطينيين على يد إسرائيل، هو مشهد قاس، ومؤلم، وقاتل، وظالم، ولا يمكن للنفس -إذا كانت سوية فعلا - أن تتقبله، تماما مثلما هو مشهد اختطاف ثم قتل رضيعين إسرائيليين من طرف «حماس» قبل تسليم جثمانيهما أمس أمام أنظار كاميرات العالم أجمع؟ 

هل يمكن السماح للإنسان، في الظروف التي يمر منها عالمنا المريض اليوم بهذا (الترف) البسيط؟ 

هل يمكن فقط الإنصات لكلام مثل هذا، بعد السماح طبعا بقوله، دون اتهام من يقوله بأنه (خائن ومتصهين وعميل) وبقية مفردات الشتم والسباب، التي لا تتجاوز، مهما بالغت في عهرها والفجور، مرحلة الشتم والسباب؟ 

تصوروا أين وصل بنا النزول اليوم. 

لم يعد ممكنا أن تقول إن القتل والقتل المضاد ليسا الحل. 

لم يعد ممكنا أن تتأثر بمقتل رضيع إسرائيلي، مثلما تتأثر بمقتل رضيع فلسطيني، وكلاهما لازالا في مرحلة البراءة، ولم يرتكبا أي شيء يحكم عليهما بأن يؤديا ثمن حمق المجانين الكبار. 

تصوروا أن الإنسانية أصبحت محرمة، وحتى النقاش حولها في هذا الموضوع بالتحديد أصبح غير ممكن. 

قاد التيار المتطرف الجموع في تابوتنا العربي، الممتد من الماء إلى الماء، نحو عملية غسل دماغ عنيفة ومروعة، جعلت البعض منا، وهم من يتحدثون دائما وبصوت عال لكي يعتقد من لا يعرف أنهم الأغلبية، يتخلص من إنسانيته تماما، ويفقد كل قدرة آدمية على التأثر العادي والطبيعي بما يجب أن يتأثر به. 

قنوات العيش بأخبار القتل والقتل المضاد، هنا في عالمنا العربي لا مشكل لديها في إظهار الجثث، والأشلاء، والدماء، وكل علامات الموت، لأنها تريد هذا التطبيع مع الوحشية والبربرية. 

ولاحظوا أن القنوات في الجهة الأخرى، شمالا وفي الغرب، تغطي صور القتلى، وتحجب أشلاءهم. 

لا نقول هنا إنهم أفضل منا. نقول فقط إن هناك فرقا واضحا في التعامل مع الجثامين هو الذي أنتج هذا القبول العادي بالموت ومظاهره في أمكنتنا. 

هل الأمر خطير؟ 

هو الخطورة ذاتها: أن تربي جموعا بأكملها على يقين أنها إن ماتت فهي شهيدة، وإن قتلت الآخرين فهم مجرد قتلى، هلكوا والسلام، علما ألا سلام في إدخال بديهية مرعبة وإرهابية مثل هاته إلى أذهان الناس.

مجددا لا بد من طرح السؤال بكل صدق، وبعيدا عن مزايدات من لا شيء لديه سوى المزايدات: ألازال ممكنا في عالمنا اليوم البكاء على مصير رضيع من هنا ومن هناك قتل في الأيام الأولى للحياة، في حرب حمقاء لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد، وكل ذنبه أنه ولد فوق تلك الأرض التي باركتها كل الديانات، والتي لطخها الإنسان بشكل جد محزن وأليم؟ 

ألازال هذا الأمر ممكنا رغم التخوين ورغم التكفير ورغم الإخراج من الملة والدين والأمة، ورغم كل بذاءات الشتامين الذين لا يملكون من سلاح آخر غير الشتم؟ 

ألا زال الأمر ممكنا؟ 

لا نملك إلا طرح السؤال، أما الإجابة، فأمرها مؤجل إلى إشعار آخر، كما هو حال السلام واحترام الإنسان، بكل اختلافاته، في تلك الأرض المسكينة حقا بسبب ما صنعه بها... هذا الإنسان نفسه.