«السيد ــ قتل ــ الأمة»!

بقلم: المختار الغزيوي الثلاثاء 25 فبراير 2025
437558316_871453971693454_329807091093722925_n
437558316_871453971693454_329807091093722925_n

ما الذي وقع في بيروت الأحد الماضي؟ 

تم دفن رجل قتل يوم السابع والعشرين من شهر شتنبر من السنة الماضية، رفقة رجل آخر قتل بعده بحوالي الأسبوع أو عشرة أيام. 

ستة أشهر بعد موت الرجلين، (ونحن أهل السنة ساعة المناداة على صلاة الجنازة، لا نذكر الرتب ولا الأسماء ولا المقامات، بل نقول «جنازة رجل»، أو «جنازة امرأة»، وكفى)، استل أنصارهما جثتيهما أو ما تبقى من الجثتين، وصنعوا بهما مشهدا احتفاليا مبتذلا من المشاهد التي تحب السياسة مثلما تقترف اليوم أن ترى باستمرار. 

وضعوهما تحت الثرى في المرة الأولى، وقالوا «وديعة»، أو «أمانة»، واستعادوهما بعد نبش القبر الأحد الماضي، ثم عادوا لوضعهما تحت نفس التراب. 

لماذا؟ 

لأن فعل الإكرام بالدفن هنا ليس الأهم. الأولوية هي لحشد الأنصار مجددا، وبيع وهم الانتصار لهم من جديد. وأولوية الأولويات الاستئساد على الدولة اللبنانية، وإظهار قوة (جمهور الحزب) لها، وإرسال الرسالة بشكل واضح: لن تقوموا بشيء في لبنان دوننا، ونون الجماعة هنا هي طبعا نون فارسية إيرانية، ترفض التخلي عن مستعمرتها، بعد أن تخلت عن كل شيء أو تكاد. 

لثغة راء الخطيب المفوه الذي كان، والذي دفن رفقة نائيه وابن خالته ذلك الأحد، غابت إلى الأبد، وعوضها حضر صوت فارسي أجش ذهب بعد انتهاء مراسم العزاء العجيبة إلى القصر الرئاسي لكي يسمع من رئيس لبنان، جملة هي تلخيص كل هذا الهراء: «لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه». 

الإيراني، الذي نظم الجنازة العجائبية من ألفها إلى الياء، شاهد بأم عينيه الطائرات الإسرائيلية، وهي تحلق على علو منخفض فوق احتفاليته الغريبة بالموت، والتقط الرسالة، وفهم أن هناك جولة أخرى لازالت ستلعب فوق أرض الأرز الحزين. 

إلى متى سيموت العرب فقط، في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وقريبا في تونس، لكي يستطيع الفقيه أن يمد رجلي ولايته على الأرض، وأن يتجشأ بصوت مسموع ومقرف، وهو يعدل وضع العمامة فوق الرأس المليء شيبا، قبل أن يردد بصوت أجش «اللهم صل على محمد. وعلى آل محمد»؟ 

جواب هذا السؤال عند بعض العرب فقط، الذين قرروا وضع البيض كله في السلة الإيرانية، مع أن ثقوبها بادية للعيان، ولن تسبب لهذا البيض كله إلا الكسر والانكسار. 

ألم يقتل إسماعيل هنية، زعيم حماس، داخل طهران، وتحت الحماية الإيرانية؟ 

ألم تصل المتفجرات التي قتلت نصر الله نفسه إلى أسفل الأرض، في مخبأ كان يعتقده أمينا، بعد خيانة أو وشاية، أو عملية بيع وشراء انتهت بذلك التبادل الصاروخي اللطيف وغير الحاد نهائيا ذات يوم بين طهران وتل أبيب؟ 

ألم يقل من خرجوا من جحيم غزة بعد أشهر القصف الدموي العنيف، إنهم حين أخبروا إيران وحدها ببدء عملية «طوفان الأقصى»، ولم يخبروا أي دولة عربية أخرى، بما فيها قطر، كانوا يتوقعون (إسنادا) حقيقيا من الملالي في الحرب، لكنهم اكتشفوا أن أقصى ما يمكن أن تقدمه لهم إيران هو أن تفاوض لصالحها باسمهم الأمريكيين والبقية؟ 

بلى، كل هذا حدث، لكن ذاكرة السمك لدى بعض العرب أمر مرعب، وهذه الحارة التي قيل منذ القديم إن آفتها هي النسيان، نسيت أن «حزب الله» بقيادة نصر الله ترك إسرائيل في حربها التي يزعم أنه يخوضها لأجل فلسطين، وذهب رفقة مرتزقة آخرين، من بينهم جزائريون، إلى سوريا لكي يدافع عن نظام بشار الأسد، ولكي يقتل السوريين. 

تحرر السوريون بعدها من بشار، ولم ينسوا ما قامت به ميليشيا «حزب الله» على أرضهم من قتل واغتصاب وسرقة ونهب وظلم كبير، ففرحوا الأحد مجددا بقتل (السيد) ووزعوا المشروبات، ورقصوا الدبكة، وأكلوا «المجدرة» السورية، وهم يرددون «غمة وانزاحت يا حسين»، لأنهم يحبون سيدنا الحسين حب السنة الصادق له، لا حب الشرك والعياذ بالله، وإدخال كل البدع إلى الإسلام الصافي منها. 

وماذا بعد؟ 

لا شيء، قميص عثمان الشهير، تعززت خزانته بعد دماء كربلاء، بجنازة أخرى دخلت وهم العقل النائم هناك، في منطقة حباها الله بكل خيرات الدنيا، وحرمها من شيء واحد وحيد: العقل السليم القادر على إخراجها من كل محن الموت التي تقطن فيها. 

إلى متى؟ 

لم يتبق وقت طويل، فقد تعب الوهم فعلا من كل أوهامه، وقريبا ستشرع «الأمة» في رؤية الحقيقة أمامها واضحة صريحة، تقول لها إن الحل الوحيد هو القطع مع ثقافة الموت هذه، فقد ملتها الأجيال الجديدة، وسئمت منها، وهي تريد اليوم فقط... قليلا من الحياة.