جشع!

بقلم: المختار الغزيوي الخميس 27 فبراير 2025
437558316_871453971693454_329807091093722925_n
437558316_871453971693454_329807091093722925_n

تلخيص حكاية الشاب المراكشي اللطيف «عبد الإله»، أو «عبدو الجابوني»، أو «مول الحوت»، كلمة واحدة: الجشع. 

هذا شاب مغربي، خرج من حواري «سبعاتو ريجال»، مدينة مراكش، وهي مدينة لا بحر لها، لكي يبيع لسكان حارته ومدينته السمك بثمن أرخص من ثمن السوق بكثير. 

طافت فيديوهات عبد الإله الأنترنيت المغربي، ولاقت هوى في نفوس المغاربة الذين يشتكون من غلاء ثمن السمك، والذين يرددون باستمرار تلك العبارة الشهيرة، دون أن نعرف صدقها من عدمه «جوج بحورا»، ويتخيلون أن التوفر على إطلالة المتوسط وإطلالة الأطلسي كاف جدا لاشتراء كل أنواع السمك بثمن بخس. 

طبعا هذه نظرة تبسيطية جدا للأشياء لا تستقيم مع واقع كثير من الأشياء، ولا وجود لأي قاعدة اقتصادية في السوق تعضدها أو تسندها، أو تقول إنها صائبة.

بالمقابل، هناك مسألة نجح عبد الإله في إثارة الانتباه إليها، وهي لا تخص السردين أو السمك وحدهما، بل تهم كل ما يباع ويشترى في هذا البلد الأمين، هي آفة «تشناقت». 

كنا في السابق من العهود والأزمنة نعرف «الشناقة»، فقط خلال فترة «العيد الكبير»، أو عيد الأضحى. 

اليوم هم الآفة الأكثر انتشارا في الوطن كله، وفي كل المجال. 

وسطاء الشر والغلاء هؤلاء وقفوا بين المواطن وبين مختلف ما يريد الحصول عليه، وفرضوا سلسلة وصول للناس تحتم المرور على أكثر من حاجز، وفي كل حاجز لا بد من أداء مبلغ إضافي، ما يجعل أغلبية السلع التي تصل الناس غالية وتبلغهم بسعر استفاد منه كثير ممن لا حق لهم في هاته الاستفادة. 

ولنتحدث بصراحة وإن أغضبت: أغلبية من يمارسون جشع «تشناقت» ويحولون حياة المواطن العادي إلى جحيم هم منا وإلينا، «ولاد وبنات الشعب»، ممن تعني لهم «الهوتة» كل شيء، وممن يستغلون أصغر الفرص لأجل الاغتناء السريع على حساب... الشعب نفسه. 

نعم، دور السلطات ثابت في مراقبتهم، وفي الضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطه في تعذيب الناس اليومي هذا، لكننا، نحن الذين نشتري، أمام دور مماثل، هو تجنب الوسطاء، وإعلاء الصوت ساعة الإحساس بظلم الأسعار أننا لا نريد هذه البضاعة وأننا مستغنون عن غلاء الأخرى، وأننا لن ندخل في بورصة المضاربات القاتلة هاته بنا. 

نجح عبد الإله، والله أعلم بنيته الأساسية، في طرح موضوع المضاربات هذا على طاولة النقاش بين المغاربة كلهم قبيل شهر الصيام، الشهر الفضيل شهر العبادات، الذي حولناه بشكل سخيف إلى شهر استهلاك أحمق، ومنحنا الفرصة للشناقة لكي يفعلوا بنا خلاله ما يريدون. 

بعد رمضان، هناك عيد كبير سيلي عيد الفطر، نتمنى أن يحضر نقاش المضاربات هذا في أذهان الناس، وهم يبيعون الأثاث والممتلكات لكي يشتروا خروفا، هو في نهاية المطاف مجرد خروف، أو «حولي» مثلما نقول بدارجتنا. 

نتمنى فعلا أن نتذكر جميعا حكاية «مول السردين الرخيص» هاته خلال «العيد الكبير»، إذا تم الإبقاء أصلا على هذه السنة، وليس الفرض، هذه السنة، بسبب الجفاف وما تعرفونه من ظروف قاسية. 

المهم سجلت لهذا الشاب المراكشي باسمه، وعسانا نستفيد منها حقا، ولا نكتفي بالفرجة وتكرار نفس الأخطاء.