الاكتساح المغربي لانتخابات ممثلي إفريقيا في المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، بحصول رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع على تسعة وأربعين صوتا، خلال الدورة 14 للجمع العام غير العادي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) بالقاهرة، ليس حدثا قابلا للدراسة والتحليل في إطاره الرياضي فحسب، بل هو حدث ذو بعد سياسي عميق، يعكس ما أضحى المغرب يحظى به من ثقة ومصداقية بين بلدان إفريقيا، بفضل عمل دبلوماسي دؤوب، ليست كرة القدم سوى واحدة من الآليات التي يعتمدها لإنجاح مقاصده ومساعيه الاستراتيجية.
هذا الفوز المغربي الكاسح، هو نجاح نهج تواصلي ناعم، لا خشونة دبلوماسية فيه، ولا عنف لفظي، ولا ابتزاز سياسي، بل مبني على الإقناع، وعلى الحوار البناء، وعلى العمل من أجل تحقيق المصالح المشترَكة، في إطار من الاحترام التام للبلدان التي يحتضنها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي تنتمي إليه ستة اتحادات جهوية، تمثل 54 بلدا.
ولعل ما ينبغي التركيز عليه في هذا الفوز الكاسح، أن رؤساء اتحادات كرة القدم الإفريقية المصوتين في الانتخابات داخل الكاف، يحظون عادة بدعم من حكوماتهم، ومن القادة السياسيين لبلدانهم، بحكم أن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في إفريقيا، والأكثر قدرة على استقطاب الجمهور، وعلى جلب الفرح للشعوب في الدوريات المحلية والمسابقات القارية والمنافسات الدولية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
بل إن من بين ممثلي بعض البلدان في هذه الاتحادات الكروية من لديه تأثير سياسي قوي في بلده، مثل العقيد جيبريلا هيما حميدو، الذي يرأس اتحاد كرة القدم في النيجر منذ سنة 2009، والذي كان له دور سياسي هام من خلال عضويته في المجلس العسكري الأعلى لإعادة الديمقراطية الذي قاد السلطة في النيجر من فبراير 2010 إلى فبراير 2011، وقد فاز هو الآخر بمقعد من المقاعد الإفريقية الستة في المكتب التنفيذي للفيفا، بعد حصوله على الرتبة الثانية في التصويت، هو ورئيس اتحاد كرة القدم المصرية هاني أبو ريدة، حيث حصل كل واحد منهما على خمسة وثلاثين صوتا.
أن يُعاد انتخاب فوزي القجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، في المكتب التنفيذي للفيفا، ممثلا لإفريقيا بتسعة وأربعين صوتا، يعني أن هناك اقتناعا تاما من 49 بلدا إفريقيا أن المغرب جدير بأن يكون ممثلا لإفريقيا في أقوى وأشهر هيئة رياضية دولية، وأن لديه من الكفاءة السياسية والمؤهلات التواصلية والقدرات الدبلوماسية ما يسمح له بأن يدافع عن مصالح إفريقيا في هذه الهيئة، وأن يرافع عنها أمام أقوى اتحادات الكرة في العالم، هو وباقي الأعضاء الذين فازوا معه في الانتخابات، وهم أحمد يحيى رئيس اتحاد كرة القدم الموريتاتي الذي حصل على تسعة وعشرين صوتا، وسليمان وابيري من جيبوتي الذي حصل على تسعة وعشرين صوتا أيضا، وكنيزة إبراهيم من جزر القمر التي حصلت على ثلاثين صوتا، زيادة على هاني أبوريدة من مصر، وجيبريلا هيما حميدو من النيجر اللذين فازا بخمسة وثلاثين صوتا لكل منهما.
وهنا لابد أن نسجل أن تنافس 13 مرشحا على المقاعد الإفريقية الستة في المجلس التنفيذي للفيفا لم يكن أمرا هيّنا، وفاز فيه مرشحون ينتمون إلى بلدان متقاربة سياسيا فيما بينها. بل إن جمهورية جزر القمر كانت هي أول دولة إفريقية تفتتح قنصلية عامة لها في مدينة العيون بالصحراء المغربية في ديسمبر 2019، قبل أن تفتح جمهورية جيبوتي قنصلية عامة لها في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية في فبراير 2020، لتنهج بعدها عدد من البلدان الإفريقية السبيل نفسه، وتفتح هي الأخرى قنصلياتها العامة في مدينة العيون أو مدينة الداخلة، تتويجا للدينامية التي شهدتها الدبلوماسية المغربية في علاقاتها مع البلدان الإفريقية الشقيقة، منذ أن أعلن جلالة الملك محمد السادس يوم 17 يوليوز 2016 عن عودة المملكة المغربية لمنظمة الاتحاد الإفريقي.
وفي هذا السياق، ينبغي التذكير بأنه بعد أقل من سنة على عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، كان فوزي القجع قد حقق فوزا كاسحا في انتخابات المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف)، عن منطقة شمال إفريقيا، بفوزه على منافسه الجزائري محمد راوراوة بنتيجة 41 صوتا مقابل 7 أصوات، وهي نتيجة كانت قد أكدت حينها أن البلدان الإفريقية تراهن على المملكة المغربية من أجل الدفع بقاطرة التنمية في القارة، ليس فقط في مجال كرة القدم، بل على جميع المستويات والأصعدة.
جزر القمر وجيبوتي، دولتان لديهما قنصليتان عامتان في مدينتي العيون والداخلة على التوالي.
موريتانيا والنيجر هما بلدان أساسيان ضمن مبادرة الولوج إلى المحيط الأطلسي التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس يوم 6 نوفمبر 2023 بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء.
هي اربعة دول، بالإضافة إلى جمهورية مصر التي تربطها علاقة احترام وود مع المملكة المغربية، سترافق المغرب إلى المكتب التنفيذي للفيفا، حيث يتم رسم معالم وآفاق كرة القدم العالمية.
إنه فوز مؤطر من خلال نهج ناعم، يقوم على تنسيق مضبوط وتشاور دقيق بين المغرب والبلدان الإفريقية، ويزخر بالدلالات السياسية، ولعل أهم دلالة يمكن أن تتجلى من خلاله، هي أن الرهان على التحالف مع المملكة المغربية في القضايا الكبرى ذات البُعد العالمي هو رهان ناجح بالضرورة.