الصحافة المغربية: مفترق الطرق !

بقلم: المختار الغزيوي الأربعاء 19 مارس 2025
437558316_871453971693454_329807091093722925_n
437558316_871453971693454_329807091093722925_n

"الصحافة ماشي جريمة، والصحافة ماشي بطاقة". وإذا كان لنا أن نعثر على حسنة واحدة وسط كم السيئات المرتكبة من طرف "قبيلة اليوتوبرز" في حق مهنتنا، فهي حسنة دفعنا دفعا، وبالإكراه الشديد، لمناقشة حال المهنة التي عاث فيها الفضوليون فسادا كبيرا. 

اليوم، لم يعد ممكنا أن نمثل دور من لايرى ولايسمع ولايتكلم، في هذا النقاش المعيب المفروض علينا، والذي يفرض عليك مرتكبوه أن تكون في ضفة من الضفتين، وأنت ترفض تماما هذه القسمة الضيزى: ضفة المهاجمين وضفة المدافعين. 

نحن لسنا من هؤلاء ولا من الآخرين، نحن قوم أسلمنا قياد العقل والمعرفة والكتابة منا في زمن آخر، مضى وانقضى، للصحافة يوم كانت نبيلة، وأصخنا السمع لكبارها يوم كانوا كبارا، ولم نهرب من فقر أو من مهن أخرى لنتخفى إلى هذا المجال.

اخترناه وقلنا هو المسار حتى النهاية، لكن وقعت مطبات في الطريق كثيرة، حتى اختلط الحابل لدينا بالنابل، ولم يكتف الفضول بالدخول "بسباطه" إلى ميداننا بل تجرأ بوقاحة ورفع هذا (السباط) في وجوهنا، وأصبح يحدد لنا بجهل مركب فظيع من منا الصحافي، ومن منا يتطفل على الميدان، ومن منا يجب أن يتحدث، ومن منا يجب أن "يخرس"، ومن منا يجوز التضامن معه، بل يصبح التضامن فرضا مسبقا على فروض الدين، ومن منا بالمقابل يجوز الجهاد فيه، وسب عرضه وقبيلته ومؤسسته دون أن يقع أي شيء. 

لذلك نقول اليوم وسط كم السيئات الكثير الذي جرنا إليه محدثو الصحافة الجدد، إن حسنة دفعنا دفعا، وإن بالإكراه بعد طول تعفف، إلى مناقشة حال ميداننا، والمطالبة بحزم هذه المرة بسيادة القانون فيه، وقطع الطريق على المتسللين من الشقوق، وفرض احترام هيبة المهنة، ومعنى الانتساب للمهنة، ومعنى احترام المؤسسات المسيرة للمهنة، كل هذا أمر طيب وجيد وإيجابي، وهو يشي بأننا اقتربنا بعد طول فقدان أمل من العثور على بداية عاقلة ومعقولة لحل الإشكال. 

هذه البداية ذات شق قانوني يفرض تحمل الإخوة والأخوات في المجلس الوطني للصحافة (أو اللجنة المؤقتة) مسؤوليتهم الكاملة في التشدد القانوني الرصين، وفي ضبط عملهم هناك، وفي عدم الانصياع للضغوطات الجانبية وما أكثرها، داخلية كانت أم خارجية. 

هناك شق جنائي في الموضوع يفرض التعاون مع السلطات الموكل لها تطبيق القانون أن تتعاون مع المجلس ومختلف المقاولات الإعلامية لوضع حد لنزيف حمل "الميكروفونات" الكاذبة والبطاقات المزورة والطواف بهما في الشوارع والإدارات والندوات والبلاتوهات والملتقيات، لكي ننتهي من جريمة النصب وانتحال الصفة هاته، ويعرف كل متورط فيها أن عقوبات قانونية تنتظره. 

ثم هناك شق التنظيم الذاتي أو الداخلي الذي نهابه جميعا، ونفضل تركه شعارا معلقا على الجدار، وهذا شق مسؤوليته تقع على عاتق المقاولات الإعلامية المهيكلة حقا، كبيرها وصغيرها، وتقع على كاهل كل صحافية وكل صحافي في المغرب يقول أو يدعي أنه مل هذه الفوضى الحزينة المحزنة التي أبعدت أبناء وبنات الميدان الحقيقيين عن تسييره، ووضعت في واجهة النقاش أناسا لايستحون من حشر أنوفهم في ميدان بعيد عنهم، بل ينظرون له، ويوزعون نقط التفوق والفشل على المنتمين الفعليين له. 

نعم، هذا الميدان في أزمة خانقة، ليست وليدة اليوم، بل ساهمت فيها أجيال وأجيال، كل وضع لبنته في جدار تكسير مهنتنا، وحان الوقت، إذا كنا نريد إبقاءها مهنة فعلا، وإذا كنا نريد إعادة بعض الاحترام وبعض الهيبة وبعض المصداقية إليها، أن يصلح حالها من لايريدون لها إلا الصلاح والإصلاح. 

هل هم موجودون؟ 

طبعا، بل هم الأغلبية فيها، لكنهم صامتون، لأنهم لايريدون أن يحسب عليهم "الخلط المعيب"، مع جزء كبير ممن يتحدثون باسمها اليوم، وهي منهم براء. 

إصلاح هذا القطاع سيتم حين ستتحمل هذه الأغلبية الصامتة فيه مسؤوليتها كاملة. ونعتقد أن الوقت قد حان لكي يتم، أخيرا، هذا الأمر، ونبدأ فعلا البداية السليمة، والقائمة على أسس رصينة، ومهنية، ومتينة.