أبطال الديجيتال

بقلم: ايمان الرازي * الاثنين 31 مارس 2025
IMG-20250331-WA0017
IMG-20250331-WA0017

قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى أننا بصدد الحديث عن سلسلة الرسوم المتحركة الشهيرة "أبطال الديجيتال"، حيث يخوض مجموعة من الأطفال مغامراتهم في عالم رقمي، مزودين بعدة وعتاد تقني يساعدهم على تطوير أقرانهم الرقميين لتحييد المخاطر. غير أن أبطال الديجيتال اليوم يختلفون تماماً عن أولئك الشخصيات الكرتونية، فهم لا يسافرون عبر العوالم الرقمية لكسر شوكة الوحوش الضارية، بل يتسلحون بالكلمات النارية والهاشتاغات الثائرة لتحرير فلسطين من خلف الشاشات، وفي طليعتهم بعض الكتبة المتقولين من خدام أجندات مشرقية.

أبطال الديجتال المتحوزون للفضاء الرقمي المغربي، لا يجدون أدنى غضاضة في التوزيع السخي لصكوك النضال. فتراهم لا يشكّون في عصمة أي فصيل مسلح ومفرط في "الحماس"، ولا يسائلون سلامة قراراته، حتى وإن قادت الشعب الفلسطيني الأعزل نحو هاوية مفتوحة بل نحو ثقب أسود يبتلع عشرات الآلاف من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ. إنهم في وضع دائم من الإنكار، لأنهم في حالة "فونطازم" يسيل اللعاب عند مرأى شبان مفتولي العضلات لبضع ثوان وهم يبادلون أسيرة شقراء، في مشهد لا يرتسم إلا بعد كلفة غير قابلة للتكميم من الدماء.

أبطال الديجيتال منغمسون في حالة من الوهم الثوري الذي يصم آذانه عن تعدد الأصوات ولا يحتمل مجرد طرح السؤال. مآل الرأي المخالف هو التخوين والتخبيث، لأن كل دعوة إلى إعادة النظر في جدوى التكتيكات العسكرية أو القرارات السياسية يعد طعناً في قدسية المقاومة المستمدة من قدسية عمائم خامنئية انتقلت من بيع حلفائها من التقسيط إلى البيع بالجملة.

ويريد أبطال الديجيتال من حزب وطني عريق أن يشاركهم طقوس الرقص على جثث الضحايا، بدلاً من التفكير في حلول إنسانية وإغاثية تنقذ الأبرياء، فإن هو لم يفعل، أعلنوا التسفيه والتتفيه، ووزعوا الأدوار بين طاعن في الأعراض، ونابش في حرمة القبور ومؤبن لمن هم أحياء يرزقون. أما "نبلاؤهم" فيحتكرون تدبيج مقالات باردة الروح، مفوضين للجالسين على أعتابهم والجالسات توزيع السباب والتشهير.

في تشبيك طبقي كهذا، لم يكن غريباً أن يتحول إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إلى عدو لأبطال الديجتال، لمجرد أنه تجرأ على القول جهرا برأي يخاف الكثيرون التفكير فيه سرا. خطيئة مؤسسة الكاتب الأول أنها اعتبرت أن الإقدام على الارتماء في السعير بدون أفق استراتيجي كانت سببا في نكسة. يقول قائل القوم: أهل الدار هناك أولى بتقدير الأصوب، ونقول: إن كان كذلك، "علاش انتوما حامية فيكم البيضة؟"

ومن غريب أحوال أبطال الديجيتال، تسفيههم لأصوات أهل الدار نفسها ممن رأوا أن الهجوم لم يكن ليستحق الدعم لو كانوا على علم بالعواقب الدامية التي ترتبت عليه. لكن أبطال الديجتال "كفروا" فيما أهل الدار "صبروا"، في إفصاح عن عجز فكري يتهرب من مواجهة الرأي بالحجة إلى شيطنته وتخبيثه.

فلسطين في عرف أبطال الديجتال شعار لا مشروع، دم قدره أن يتدفق بلا نهاية، وتدوينات غاضبة، يحررون بها القدس كل يوم بنقرات إعجاب.

فلتواصلوا يا أبطال الديجيتال مزايداتكم العاطفية على السذج، واعملوا يوما بعد يوم على تأجيل حقن الدم الفلسطيني. ومتى لاح في الأفق المغربي أي ضوء لاستعادة النقاش العقلاني والسياسي، فاشحذوا سيوفكم وانصبوا لرؤوسنا المشانق.

* أستاذة محاضرة بجامعة محمد  الخامس