بيان طغمة المرادية.. نهاية أطروحة "الإستفتاء" وإعتراف علني بانتصار الدبلوماسية الملكية

إسماعيل واحي الأربعاء 09 أبريل 2025
488435863_650193087756304_3713043155351993476_n
488435863_650193087756304_3713043155351993476_n

في رد محتشم يعكس حجم النكبة والتخبط الذي يعيشه النظام العسكري في "العالم الآخر"، خرجت وزارة الخارجية الجزائرية ببيان مرتبك ومليء بالتناقضات، للرد، أو بالأحرى لمحاولة الهروب من مأزق مواجهة موقف الولايات المتحدة الأمريكية، التي جددت تأكيدها القاطع على مغربية الصحراء، وعلى اعتبارها مخطط الحكم الذاتي المغربي، كحل وحيد وواقعي لإنهاء هذا النزاع المفتعل.

 

وبالرغم من المحاولات المكشوفة للإيحاء بتماسك الموقف الجزائري، إلا أن مظاهر الازدواجية في الخطاب، بدت واضحة في الإشارات التي لا تستوجب الكثير من القراءة المتأنية لفقراته، لاكتشاف التحول الواضح في الخطاب الرسمي الجزائري، والذي تفرضه لا الإرادة السياسية في قصر المرادية، بل جاء كنتيجة حتمية لضغط الواقع الجيوسياسي الجديد، وقوة الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس.

 

 

ولعل أول ما يلفت الانتباه في هذا البيان المرتجل، هو أنه لأول مرة في تاريخ البيانات الجزائرية المتعلقة بالصحراء المغربية، يغيب تماما ذكر مصطلح "الاستفتاء"، وهو ما يمكن اعتباره تمهيدا لتحول جذري في موقف الدولة الجزائرية، هذا المصطلح الذي ظل بمثابة "الكتاب المقدس" الذي لا يُمس في خطابها الرسمي لعقود، اليوم، وبكل هدوء، اختفى من البيان دون تفسير أو تبرير.

 

وإن أكثر ما يثير الدهشة في البيان المذكور، هو تجنبه الاحتجاج على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، اذ جاء أعلى سقف له، الأسف على اعتبار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الحكم الذاتي كإطار وحيد للحل، وهو بحد ذاته اقرار ضمني بأن الجزائر لم تعد قادرة حتى على الطعن في مغربية الصحراء أمام القوى الدولية، بل أصبحت تكتفي فقط بانتقاد شكل الحل لا جوهره.

 

 

ومن أجل اكتمال صورة تقهقر الموقف الطغمة العسكرية، فمن السهل جدا ملاحظة رسائل الفقرة الثانية من البيان، الموجهة بوضوح إلى الشعب الجزائري، وهي أشبه بـ"تطمينة يائسة" للرأي العام الداخلي بأن الأمور خرجت عن السيطرة، وأن أمريكا كعضو دائم في مجلس الأمن فرضت منطق القانون الدولي، ولا مجال للمناورة، وكان العنوان الأبرز لهذه الرسالة غير المعلنة هو: "يا جزائريين، الله غالب.. أمريكا حسمت، واللعبة انتهت."

 

أما الفقرة الثالثة، فهي صفعة مباشرة لـ "البوليساريو"، فقد عرَّفَ بيان الخارجية الجزائرية ولأول مرة قضية الصحراء بـ "الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي"، وهو توصيف قانوني دقيق يعكس اعتراف الجزائر الضمني بأن الحل القادم سيكون في إطار الحكم الذاتي، وليس عبر وهم "الاستقلال" الذي لطالما سوقته للمرتزقة في تندوف.

 

وفي هروب مكشوف من فضيحة موقفها المتقهقر، تضمن بيان الخارجية الجزائرية بعض عبارات التجميل لحفظ ماء وجه الكابرانات، فقد استعمل مصطلحات من قبيل "الاستعمار" و"الاستقلال" في البيان، لكن هذه العبارات لم يكن لها أي علاقة بجوهر الرد على الموقف الأمريكي، فعلى غير عادة الخارجية الجزائرية لم يتم حصرها بالبولساريو، بل جاءت في سياق فضفاض، في محاولة للإلتفاف على الرأي العام الداخلي بمخيمات العار، فالعسكر الجزائري يعلم أكثر من غيره، أن ثورة حارقة قد تنفجر في أي لحظة إذا أدركت ساكنة الخيام أن حلم "الدولة الوهمية" انتهى.