انتصار الجهل!

بقلم: المختار الغزيوي الثلاثاء 15 أبريل 2025
b0c9a127-8e1e-45c2-ab44-29ad026f7927
b0c9a127-8e1e-45c2-ab44-29ad026f7927

قتل المعلم !!

نحن من جيل علموه أن يقف للمعلم، وأن يوفيه التبجيلا. ونحن من جيل يعتقد، بل يؤمن أن المعلم كاد أن يكون رسولا، ونحن من جيل ظل يتهيب الحديث مع معلميه وأساتذته، حتى بعد أن كبر واشتغل وأصبحوا هم يخاطبونه بأحاديث الكبار.

لذلك نحن هذا الجيل بالتحديد نعتبر قتل تلميذ لأستاذته، في مدينة أرفود، أسوأ ما قد يقع لمجتمع على الإطلاق.

ودعوكم من التبريرات الرخيصة لما لا يبرر، ودعوكم من كلام قلة التربية الذي أوصلنا إلى هذا الهوان، وإلى استقالة الأسرة من تربية نتاجها، واستقالة المجتمع من تحمل مسؤولية رعاعه، وهذا وصفهم وليس أي شيء آخر، نحن اليوم أمام صورتنا مثلما هي في المرآة.

تقبلها واقبل شكلك، واعترف أنك ملزم بـ« إعادة الترابي» لجزء كبير ممن تتقاسم معهم الفضاءين الخاص والعام، أو ارفض مجددا هذه الحقيقة بكل حمق، رغم أن كل الظواهر تؤكدها، واستدعنا جميعا إلى منزلك، لكي نرى «طلامط» صالونك وأنت تحكي لنا بغباء وجبن وحزن، أن ابنك الذي قتل الأستاذة، وابنتك التي شوهت وجه زميلتها في مراكش بشيفرة حلاقة، وذهبت تتباهى بفعلها في الأنترنيت «ليسا هكذا»، و«نتا ما عرفتيش شنو وقع ليهم بالضبط».

مصيبتنا الجماعية هي هاته: لا ندري ما الذي وقع بالضبط.

لذلك نكتفي بالفرجة والاندهاش الحزينين المرة بعد المرة، وكل مرة، وهذه المرة أيضا، وسننسى الأستاذة التي قتلها تلميذ كانت تريد تدريسه فقط، وسننسى بقية الآفات، ولن نتذكرها إلا حين الآفة الجديدة.

ذلك أن المصاب بمرض الإنكار، حسب التعريف الطبي، «يحظر الأفكار المقلقة من ذهنه، ويعتقد أنه إذا لم يفكر فيها لكي يواجهها، فإنه يتخلص منها، ويقضي عليها»، ونحن، يا قوم، مصابون فعلا بهذا المرض، في الصغير من الموضوع حتى الكبير.

ألم يقل لنا أحدهم إن غزة، رغم كل هذا الدمار والموت والخراب، انتصرت، وقلنا «آمين»، وفرحنا، وشرعنا في رقص الدبكة الجماعية في الشوارع والملتقيات؟ 

بلى، فعلنا ذلك، وسنواصل فعل المزيد.

إلى متى؟

أنتم تعرفون جيدا الجواب: إلى اليوم الذي سنقتنع فيه حقا أننا مرضى، وأننا يجب أن نبدأ فورا بروتوكول العلاج.

الديربي: اعتراض تقني !!!

لو سكت من لا يدري، وامتنع عن الحديث فيما لا يدري، لما وقع أي مشكل إطلاقا. لكن كارثتنا اليوم هي أن الحديث أصبح مقتصرا تقريبا فقط على من لا يدري فيما لا يدري، وتلك هي مصيبة المصائب.

تصوروا أننا عجزنا عن إسكات هذا «الذي لا يدري» حتى في حكاية «تيران» الدار البيضاء يوم افتتاحه، فوجدنا أنفسنا أمام قراءتين تنافسان بعضيهما في الغباء لما حدث بخصوص مقاطعة المشجعين لمباراة إعادة افتتاح «دونور».

قراءة ولا أغبى، ولا أبلد، ولا أحمق، تصف بكل رعونة من رفضوا الذهاب لمشاهدة اللقاء بأنهم «خونة»… للوطن (كذا والله !!!)

وقراءة ولا أغبى، ولا أبلد، ولا أحمق، تصف بكل رعونة هي الأخرى، من ذهبوا لمشاهدة المباراة بأنهم «خونة»… للكرة والشعب (كذا والله أيضا!).

تصوروا فقط أننا حتى في نقاش حول الكرة وملعب يعاد افتتاحه، لا نستطيع أن نهدأ، أو أن نناقش بعقل، أو أن يتقبل هذا الطرف رأي الطرف الآخر.

هذا الأمر الأخير أصبح مستحيلا، إذ كل حزب بما لديه فرحون، في كل نقاش يجمعنا، وليس في نقاش الكرة فقط، وهذه علامة حمق جماعي، ومؤشر توتر غبي سيذهب بنا جميعا إلى التهلكة، إذا ما واصلنا على الحال ذاته، وإذا ما استمر «الذي لا يدري» الشهير في التنظير لنا في كل الشؤون التي لا يدري عنها أي شيء…

باختصار، الحكاية ليست حكاية كرة ومباراة وافتتاح ومقاطعة من عدمها.

الحكاية حكاية ضيق ببعضنا البعض أصبح يعجز أكثر فأكثر عن إخفاء نفسه بالمساحيق التجميلية، وأضحى فاجرا في الخصومة حد اعتبار هذه القسمة الضيزى لنا في كل المواضيع، وحول كل النقاشات، سبيله الوحيد لحل كل إشكال.

ما العمل؟ 

نكاد نتجرأ ونقترح التربية من جديد، والدراسة الكثيرة والثقافة بلا حدود، وبقية الحلول الهلامية، لكننا نعرف أن صوتنا لن يسمع، فصوت من لا يدري يملأ كل الأرجاء، وطبعا اللهم لا اعتراض، وكفى.