‘‘لمادا على النهايات أن تكون سعيدة؟ ‘‘ من يعرف ادريس الروخ يعلم مسبقا أن الرد لن يكون مباشرا، لكنه كان مبتسما في ثقة وهو يجيب على تساؤلنا في أحداث. أنفو، حول نهاية شريطه الجديد ‘‘الوترة‘‘ المعروض لأول مرة في سينما ميغاراما الأربعاء الماضي. كان مبتسما وكأنه يتوقع ما نتوقع أن تكون الإجابة. ببساطته المعهودة في تقريب المعاني الأكثر تجريدا من ذهن المتلقي، قال ادريس ‘‘أن الجمهور المغربي يرتاح أكثر أمام القصص الكاملة. لذلك كان علي أن اشتغل مع فريق العمل لأريع سنوات، من أجل إعادة تركيب ‘‘بازل‘‘ سينمائي كبير أردته أن يكون مغربيا أولا وقبل كل شيء‘‘.
في الوترة، يحكي لنا ادريس الروخ في زمنين، قصة شعيبة ‘‘موزار العروبية‘‘ عندما يأتي للمدينة بحثا عن المجد والشهرة. لكنها سرعان ما ستتحول لقصة تيه عظيمة. في امبراطورية محيريش، المتاجر في فقر الناس في أحد الأحياء الهامشية، سيتلمس الفنان دروب المتاهة، حين يتذوق طعم المال السهل والشهرة ويتنكر لزوجته التي ذاقت صنوف العذاب وتحملت كل المشاق لمساندته في الأيام الصعبة، وابنه الصغير، ويرتمي في حضن بائعة هوى ستقذفه من أمن العيش الواهم إلى جحيم حقائق النكران. في زمن لاحق، يتزوج محيريش من زوجة شعيبة بعد تطليقها، وتتطور مسالك الحبكة الدرامية للفيلم باتجاه نهاية، ستعيد له بعد الاعتبار بعد أن يدفع ثمنا غاليا من روحه ودمه وفنه.
في رحلة الفيلم بين زمنين، ينجح ادريس الروخ في تأثيث الفضاء السينمائي بواقعية شديدة تذكرنا بكليشيهات السينما الإيطالية في زمن ما بعد الواقعية الجديدة. كريان لا يعكس فقط بؤس الفضاء المكاني، ولكنه يعكس أيضا انحرافات شخوصه التي سيلقى فيها شعيبة ببراءته الساذجة. امحيريش، الذي يتاجر في كل شيء، من النساء إلى استصدار رخص إعادة الإيواء، يمثل الوجه البشع للمنطقة بكل تفاصيلها. لكنه أيضا ذلك الملاذ الآمن الذي يحتضن شعيبة ويدافع عنه. ارزدواجية في شخصية ‘‘مسرحية‘‘ أراد الروخ أن يؤكد لنا من خلالها ثنايا الشخصيات الإنسانية عموما، المترواحة بين الخير والشر، بين الغلط والصلاح.. بين ‘‘لفيس‘‘ و الطيبة الخفية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
شخص الروخ ‘‘لمحيريش‘‘ باقتدار كبير معهود فيه، لكن المفاجأة كانت في قدرته على تحول الفنان الشعبي حميد السرغيني لشعيبة، في مجازفة لا يمكن لكثير مخرجين الإقدام عليها. ما السر ؟ كل السر في إدارة الممثل يجيب ادريس الروخ، الذي تماهى في تعريف هذه القدرة الإخراجية، إلى الحديث عن العلاقة المستترة بين التصوف والتشخيص. يقول ادريس الروخ ‘‘ لايمكن للمثل أن يصير طيعا في يد المخرج إلى تلك الدرجة التي تجعله قابلا لتشخيص كل الأدوار إلا إذا تجاوز نفسه.. وهنا تصير العلاقة مع الصوفية قائمة وجائزة.. فالصوفي أيضا في رحلته لاكتشاف ذاته والعالم لا بد وأن يتجاوز ذاته‘‘. العيدية أيضا (سحر الصديقي) كانت لامعة في الفيلم واستطاعت أن تبرع في خاصية تتقنها جيدا : المرأة البدوية المناضلة والصريحة والمباشرة إلى حد السذاجة أحيانا و الاستنارة أحيانا أخرى.
كانت مفاجأة جميلة في نهاية فيلم الوترة. فعلى الرغم من أن الشريط الأخير لادريس الروخ مول بإمكانيات ذاتية، واستغرق الاشتغال عليه سنوات كاملة، إلا أنه استطاع أن يحجز الرؤية الفنية في ‘‘كادرات‘‘ ادريس التي لا تترك كثيرا للتفاصيل الخارجية. عالم داخلي ‘‘اطموسفير‘‘ حافل بالرسائل البصرية، حيث الممثل في قلب العاطفة والإحساس، وحيث القصة تنسدل كتراجيديا مؤلمة وواقعية لكنها لا تخلو من قفشات مضحكة، تحيل على تامغرابيت مغرقة في الشجن، تترجمها لوحات موسيقية نابعة من لوتار الباذخ لحميد السرغيني.
فرجة ممتعة.