غضب المكناسيون، أهل الكرايم، لأن زميلنا رضوان الرمضاني، وهو ينتقد حال العاصمة الإسماعيلية قال بصدق إنها تتعرض للإهمال كأنها «مصرانة زايدة»، والأولى بالغضب من طرف أهل المكناسة كان هم مسؤولو المدينة الذين يعطون الجميع، زائرين لها وقاطنين فيها ومتحدرين منها يحملونها في المسام، هذا الإحساس.
هذه المدينة التاريخية العظيمة لا حظ لها في المجالس التي تعاقبت على تسييرها، إلى حد تحويلها اليوم إلى مكان بكاء جماعي على الماضي الذي كان، وإلى نقطة عبور ليس إلا، في الطريق إلى فاس من هنا، أو في الطريق إلى الرباط من هناك.
لذلك لا ينبغي أن يغضب الناس في ذلك المكان الروحاني الجميل، لأن صحافيا انتقد وضع مدينتهم بتشبيه قاس، وقال قبل استعماله «أعتذر على الكلمة»، بل يجب أن يغضبوا على من جعلوا من عاصمة مولاي إسماعيل «دوارا» كبيرا فقد من مدنيته، وتمدنه، و«التاويل» الذي ميزه منذ القديم الشيء الكثير.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
ونستطيع من باب الانتماء للمكان، واستمرار الذهاب إليه، وزيارته كل أسبوع تقريبا، والحفاظ على ركن صغير عزيز على القلب فيه، داخل المدينة العتيقة، بالإضافة إلى الحفاظ على كل العلاقات في المكان مع الناس أن نشهد أننا ظللنا نتألم، في صمت حينا، وببعض كلام لا يفيد أحيانا أخرى على المدينة.
ونستطيع أن ندعي أننا كتبنا، وتحدثنا، وحاورنا وتحاورنا، وسلطنا كل أنواع الضوء على الظلم الواقع على المكان هناك، وأن كثيرا من القوم من أهل المسؤولية هناك غضبوا منا، وقاطعوا كلامنا والسلام لأننا تحدثنا باسم السكان وباسم المدينة، التي سكنتنا أرواحها، ولا خلاص لنا من حبها حتى انتهاء كل الأيام.
ونستطيع أيضا أن نقول إننا لم نهتم برد فعلهم، بل بقينا مهتمين فقط بحال المدينة وسكانها، ولم تصبنا العدمية في مقتل، بل فرحنا يوم شرع تثمين المدينة العتيقة في الوصول إليها، وقلنا «لعلها بشارة خير وبداية عمل حقيقي يغير الحال والمآل في ذلك المكان الذي لا يستحق كل خير».
وحتى عندما وصلتنا أنباء عن مشاكل وأشياء كالاختلالات في هذا الموضوع تريثنا، وقلنا «لنعط المسؤولين هناك وقت إصلاح ما أفسده الدهر، ولندع عنا التكالب على الحال والاستمرار في الانتقاد الدائم دونما توقف عساهم يصلحون فيما بينهم ما وقع، وعساهم يفهمون أن المواطن المكناسي ينتظر منهم ما هو أكبر وأهم من إصلاح عابر للحاضرة لأنها ستستقبل المعرض الدولي للفلاحة، ثم الذهاب إلى الراحة والاستجمام في انتظار التهييء لترقيعات المعرض المقبل».
ونستطيع أيضا من باب التذكير فقط أن نسرد مئات الأمثلة على هذا الإهمال، وعلى التسيير الهاوي للمجالس المتعاقبة، وعلى ترك المجال لمسؤولين من مدينة قريبة، هي فاس، لكي يسيروا عن بعد مدينة هي مثل حاضرتهم تماما في التاريخ والقيمة والرفعة والسمو، ولها أبناء يفترض أن يدبروا أمرها من داخلها لا من أي مكان آخر.
نستطيع كل هذا ويزيد، لكننا نكتفي بالقول هنا أن الأولى بالغضب حقا هو وضع المدينة الإسماعيلية، عاصمة عواصمنا وحاضرة حواضرنا، وليس تصريح صحافي محب للمدينة، زارها وآلمه حالها، فقال بصدق ما نقوله نحن أبناؤها يوميا، وكفى...
مكناس، التي في خاطري، والتي في خاطر كل المغاربة، تستحق الخير والخير فقط، ومن يبكون حالها أو ينتقدونه يفعلون ذلك فقط لأنهم يعرفون أن حاضرة التاريخ والثقافة والحضارة والعمران والأناقة والاقتصاد والرياضة والفلاحة والتمدن وكل الخيرات، تستحق حالا أحسن من الحال.
أخيرا أعجبني قيدوم مكناسي من «الزريتيلات العتاق» اتصل بي حول هذا الموضوع، وقال لي «سلم على رضوان وقل له رسالتك وصلت، والآخرون الذين لا يريدون فهمها أو يمثلون دور من لم يفهم يشبهون ما يقوله مثلنا المكناسي القديم (قال لو «مصارني خارجين»، قال لو «واو شحال حمرين»).
«سير عالله»!