شهادة قوية حول التراث المغربي للتعايش الديني، أدلت بها الأستاذة مها مروان، من كلية العلوم الانسانية بجامعة بنسلفانيا، خلال ندوة تاريخية حول العلاقات اليهودية والمسلمة بشمال إفريقيا، بتعاون مع الأستاذ جوناثان بروكوب، مدير الدراسات الدينية، والأستاذة نينا ساران، مديرة دراسات الشرق الأوسط.
واستقبل الموعد أصواتا مغربية بارزة، من بينها الاستاذة زهور رحيحيل، مديرة ومحافظة متحف اليهودية المغربية بالدار البيضاء، كما استضاف فنانين يهوديّين مغربيّين بارزين، هما: نيطع القايم وعميت حاي كوهن.
وجمعت الندوة أساتذة جامعيّين من جامعات بالولايات المتحدة الأمريكية والعالم، لاستِكشاف غنى التراث الثقافي اليهودي المسلم بالمغرب. وافتتحت الأستاذة مروان الندوة بتسليط الضوء على الدور البارز للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية، عندما عارض الملك محمد الخامس بشجاعة الطلبات النازية، وحمى اليهود المغاربة من الاضطهادات، وهي سردية كثيرا ما تُهمل في الخطابات الغربية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
"المغرب فريد في العالم العربي والمسلم"، تقول الأستاذة مروان، مضيفة: أنه "البلد الوحيد الذي يعتَبر المسلمون واليهود، وسلالتهم، أنهم مواطنون مغاربة، مع ولوج قانوني للجنسية. وهذا ليس فقط واقعا سياسيا، بل حقيقة ثقافية متجذرة بعمق".
وانطلقت الندوة بعرض "زيارة"، وهو وثائقي مؤثر للمخرجة اليهودية المغربية سيمون بيتون، ترسم فيه مسار حجها لمزارات الأولياء اليهود "الصدّيقين"، في أنحاء المغرب. هذا الفيلم قدمته الاستاذة زهور رحيحيل، المتخصصة ذات الصيت الدولي في التراث الثقافي اليهودي للمغرب، التي رافقت سيمون بيتون خلال رحلتها الاستكشافية في المزارات اليهودية بالمغرب.
وخلال تقديم الفيلم، شرحت زهور رحيحيل أن الوثائقي يكشف حقيقة مؤثرة: ففي غياب اليهود المغاربة، النساء والرجال المسلمون هم من صاروا حامي الذاكرة اليهودية، وحافظوا باستمرار على الأماكن المقدسة بعناية وتقدير.
الاستاذة زهور رحيحيل، التي تعرف، بشكل واسع، بكونها أول محافظة مسلمة لمتحف يهودي في العالم، ألقت في اليوم الثاني كلمة افتتاح قوية، تستعيد مسارها لمدة 25 سنة خصصتها للمساهمة فى حماية التراث الثقافي اليهودي المغربي والتعريف به. كما سطّرت على أن المتحف كان مبادرة خاصة لأربعة قادة للطائفة اليهودية بالمغرب في سنوات التسعينات، هم: سيرج بيرديغو، وسيمون ليفي، وجاك طوليدانو، وبوريس طوليدانو.
الاستاذة رحيحيل شرحت أن المتحف لا يهدف فقط إلى حماية الماضي، بل يروم إرساء رابط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
والمتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء هو مؤسسة فريدة في العالم العربي الإسلامي، تشهد على الاستثناء المغربي في المنطقة، وفق السيدة زهور رحيحيل، التي ذكّرت بأنه بفضل تعليمات جلالة الملك محمد السادس، رُمِّمَت أزيد من 167 مقبرة يهودية مغربية، في مبادرة فريدة عالميا.
وذكّرت أيضا بمنجزات مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، منذ تأسيسها سنة 1995، حيث رمّمت العديد من البَيعات، والمقابر، وزُوّد متحف الدار البيضاء بمجموعة من المعروضات اليهودية المغربية الأصيلة، كما افتتحت متاحف صغيرة حول الثقافة اليهودية المغربية المحلية بعدد من مدن المملكة، مثل طنجة، ومكناس، والجديدة، ومراكش، على سبيل المثال لا الحصر.
ومن أعمال مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، بحسب الاستاذة رحيحيل، عمل التعريف بهذا الموروث على مستوى المجتمع المدني، وعقد الشراكات مع القطاعات الوصية على التعليم والسياحة بالمغرب.
كما استحضرت زهور رحيحيل كون المتحف اليهودي المغربي يعتبر اليوم المؤسسة المغربية اليهودية الرائدة في إطلاق الحوار في سنوات التسعينات، حول أهمية صيانة الموروث العبري بالمغرب، والتعريف بالذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها.
وفي حفل الختام، كان الإحساس ملموسا مع العرض الموسىقى "من القدس إلى المغرب" بصوت نيطع القائم وعميت حاي كوهن. وجمع أداؤهما بين العبرية والعربية، واحتفى بالتراث الموسيقي المشترك بين اليهود والمسلمين المغاربة. بل أنزلت دموعَ الحاضرىن الأغنيةُ الأخيرة لنيطع؛ صلاة من أجل السلام والتحرر.
واختتم الموعد بنقط أمل، بمقترحات من أجل خلق شبكة بين المؤسسات المغربية والأوروبية والأمريكية؛ من أجل تعزيز البحث بين الأديان، والمبادرات الثقافية لبناء جسر للحوار والفهم في المستقبل.