هل تحول العنف الممارس في حق رجال ونساء التعليم إلى ظاهرة ولم يعد حالات معزولة؟ السؤال يجد مشروعيته من خلال تواتر وتكاثر حالات عنف يعتدي فيه تلاميذ على معلميهم، وقد بلغ الأمر حد القتل.
العنف في المدارس وفي محيطها ليس معزولا عن عنف أصبح يمارس بين الناس في كل الأماكن. نراه في الطريق بين السائقين، وفي الشارع بين المارة وفي بعض الأحياء. وغالبا ما تكون الأسباب تافهة نابعة أحيانا من رغبة في إثبات الذات بمواقف تشي بخلل ما في التركيبة النفسية.
خلال الأيام القليلة الماضية تعرضت مدرسة لتصفية جسدية بعدما فاجأها متدرب بضربة غادرة بآلة حادة. وفي الفترة نفسها تعرض مجموعة من رجال ونساء التعليم لاعتداءات من طرف تلاميذ، وبعض هذه الاعتداءات حصلت داخل حجرات الدرس. الذي كان يعتبره الناس قريبا من أن يكون رسولا أصبح يتعرض للضرب والتنكيل والتهديد والترهيب. ويزداد الأمر خطورة في فترات الامتحانات، حيث يكون مجموعة من المدرسين والمدرسات، المكلفين بالحراسة، أمام موقف خطير قد يؤثر على مهمتهم بشكل كبير.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
كيف وصلنا إلى هذا الأمر؟ ومن يتحمل المسؤولية في ذلك؟ وكيف تتم مواجهة المعضلة؟ هي أسئلة من المفروض أن تستنفر كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وتستنفر المجتمع أفرادا ومؤسسات وحكومة ومجتمع مدني.
لا يمكن فصل المدرسة، والتلميذ عن المجتمع. وما يمارس في المدرسة من عنف سوف تكون له امتدادات داخل المجتمع. وقد تابع رواد شبكات التواصل الاجتماعي مشاهد مخزية لمراهقين يروعون الناس في الشوارع والأحياء، حاملين أسلحة بيضاء بأحجام كبيرة.
مواجهة هذا النوع من العنف وهذا الترويع لا شك من مسؤولية الأمن. لكن المواجهة الحقيقية لا بد أن تكون شمولية. ولا بد من الاعتراف بأن المدرسة، وهي تواجه هذه الآفة المشينة، لها أي المدرسة/ التعليم، مسؤولية كبيرة في ما يحدث. فالتعليم في بلادنا ليس على ما يرام. وهنا يمكن الوقوف عند بعض مظاهر القصور:
أولا من حيث سياسة التعليم في المغرب، فقد اعتمدت منذ فجر الاستقلال على كثرة الإصلاحات وتكرارها والتسرع في تغييرها دون تقييم. وهذا الأمر جعل العملية تكرارا للتجارب، وجعل أبناءنا فئران تجارب.
ثانيا المناهج التعليمية ركزت على تحصيل يقوم على الشحن بالمعلومات وحفظها، وابتعدت عن تنمية التفكير النقدي والإبداع وحل المشكلات...
ثالثا يمكن الوقوف عند ضعف في المحتويات العلمية والتقنية، ينضاف إلى ذلك ضعف الاهتمام بالجانب السلوكي والتربية على قيم المواطنة.
رابعا، ما يمكن الوقوف عنده من اختلالات في المناهج يتعزز بإشكالات أخرى، مادية وتربوية، يتعلق الأمر بالبنيات التحتية والأطر وضعف التكوين والفوارق المجالية وغيرها مما يواجهه التعليم ببلادنا.
إلى جانب التعليم، تعيش مؤسسات التنشئة الاجتماعية اختلالات لا تقل أهمية عن اختلالات التعليم. فمؤسسة الأسرة تواجه تحديات كبرى، وبعض التقارير تفيد بأن هذه المؤسسة بدأت تفقد وضعها في جانب التربية. أما المجتمع المدني فتفاقمت تحدياته ليجد نفسه خارج العملية أو هو على الطريق ليصبح على الهامش. أما وسائل الإعلام فانجرت نحو اهتمامات مادية صرفة بدأت تبتعد عن المحتويات الهادفة..
اختلالات مؤسسات التنشئة الاجتماعية واختلالات التعليم لا يمكن إلا أن تعطينا هذا الذي نواجهه اليوم. والخطر قد يتفاقم...