ميديا

الرأي والرأي الآخر: البيان والتصحيح لما جاء في مقال الأستاذ طبيح

بقلم سعد حازم السبت 09 مايو 2020
WhatsApp Image 2020-05-08 at 22.08.53
WhatsApp Image 2020-05-08 at 22.08.53

AHDATH.INFO

في خضم النقاش الذي فجره تسريب مادتين من مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، وبعد ذلك تسريب مذكرة وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان ثم تسريب مشروع القانون برمته، في خضم ذلك لم يجد الأستاذ عبد الكبير طبيح ما يساهم به في هذا النقاش، تأييدا أو تعليقا أو معارضة، سوى اصدار الاتهامات الجزافية والأحكام المتسرعة بشأن مذكرة وزير الدولة.

ولأن أكاذيب وأوهام اليوم هي حقائق الغد، فإنه كان من اللازم، الوقوف على مدى صحة ما ورد في مقال الأستاذ طبيح الذي جاء تحت عنوان "مذكرة للوزير الرميد: بين التسريب غير المشروع والتسريب المشروع"،  http://ahdath.info/573902 سواء ما اتصل منه بالوقائع والمعطيات، أو ما تعلق بالمشروع محل الجدال، أو المذكرة وكافة القوانين المرتبطة بالموضوع.

وأول ما يلاحظ هو أن صاحب المقال يتحدث عن تسريبين اعتبر أحدهما مشروعا والآخر غير مشروع. وهكذا فقد نسب التسريب المشروع لوزير العدل فيما يتعلق بما سماه خطأ تسريب مسودة مشروع التعديلات التي يراد إدخالها على قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية من أجل استعمال الآليات الرقمية في تدبير تلك المساطر القضائية، في حين نسب زورا وبهتانا لوزير الدولة تسريب مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، معتبرا اياه تسريبا غير مشروع.

وهكذا يكون الأستاذ طبيح قد أخطأ في حق الوزيرين من حيث أراد أن يذم أحدهما ويمدح الآخر لاعتبارات سياسوية صغيرة.

فمن جهة، فقد أساء لوزير العدل حين اعتبره قد سرب مسودة مشروع التعديلات التي يراد إدخالها على قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية المذكور، والحال أن وزير العدل مارس في هذا الشأن التشاركية المطلوبة ديموقراطيا في تقديم أي مشروع قانون بما تعنيه من تشاور مع القطاعات المعنية ومكونات المجتمع المهتمة، وهو ما دأبت عليه وزارة العدل في المراحل السابقة، وجرى به العمل من قبل عموم القطاعات الحكومية خاصة بالنسبة للمشاريع ذات الأبعاد الخلافية المجتمعية. ولذلك فإن ما قام به وزير العدل، لا نحتاج إلى اطالة الكلام فيه باعتباره ممارسة ممدوحة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما أسماه الاستاذ طبيح تسريبا.

أما ما تعلق باتهامه لوزير الدولة بتسريب مذكرته المتعلقة بمشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، فإنه بالرغم من أنه سبق لديوان الوزير أن نفى نفيا تاما هذه التهمة، فإن الأستاذ طبيح لم يلتفت لذلك وأصر على التمسك بهذا الادعاء، وهو ما يتطلب في هذه الحالة الاعتذار أو اثبات العكس. والعجيب أن الاستاذ طبيح أورد في مقاله المذكور معطيات تفند ادعاءه حيث أشار إلى أن الوثيقة المسربة جاءت مرفقة بمراسلة موجهة من طرف رئيس الحكومة إلى الأمين العام للحكومة، وهو الدليل القاطع بأن لا وزير الدولة ولا المصالح التابعة له لهما أي علاقة بما قيل إنه تسريب.

والغريب كذلك أن اتهام وزير الدولة بما سمي تسريبا لم يصدر فقط عن الأستاذ طبيح لاعتبارات حزبية واضحة، وانما صدر كذلك عن منتمين للاتحاد الاشتراكي، في مستويات مختلفة، خاصة قطاع المحامين التابع للحزب الذي أصدر بيانا في الموضوع.

ومرة أخرى، فإن المؤكد هو أن الأمر يتعلق بادعاءات متسرعة لا أساس لها اطلاقا في الواقع، اذ بالرجوع إلى الوثيقة المسربة سيتبين أنها تتعلق بمصالح إدارية أخرى وليس بمصالح وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان.

من جهة أخرى، وعلى سبيل التوضيح، وبعد التأكد من أن وزير الدولة لا علاقة له ولا لمصالح وزارته بما سمي تسريبا للرأي العام لأي وثيقة ذات صلة بهذا الموضوع، فإن مقال الأستاذ طبيح، في سياق الحديث عن مذكرة وزير الدولة موضوع التسريب، تضمن اتهاما عديم الأساس لوزير الدولة بخرق واجب التحفظ بخصوص النقاش في مجلس الحكومة المشمول والمحمي بقواعد وأعراف التحفظ، وهذا مما لا جدال فيه، والحقيقة أن المذكرة المذكورة لم تقدم في مجلس الحكومة، بل إنها تم توجيهها فيما بعد، وبالتالي يكون الحديث عن خرق واجب التحفظ مجرد وهم أو تدليس متعمد، مادام أنها لا تتعلق بمداولات مجلس الحكومة، ولا بمشروع القانون الذي تداولت الحكومة فيه الرأي وقررت بشأنه ما قررت.

ومادام الكلام بالكلام يذكر، فإنه إذا كان الأستاذ طبيح قد أباح لنفسه تقديم النصائح الغالية بشأن الحفاظ على واجب التحفظ، فإننا أيضا من حقنا أن نوجه له ما ينبغي توجيهه في شأن خرق واجب التضامن الأغلبي ما دام انه ينتمي إلى حزب يشارك في الحكومة. فقد كان الواجب يقضي إجراء الاتصالات اللازمة بوزير الدولة للتأكد من المعطيات وعدم السقوط في حمأة إصدار الاتهامات لوزير دولة يشارك وزيرا من حزبه الانتماء إلى مجلس واحد وعدم التمييز بين وزيرين أحدهما ينتمي إلى حزبه يتعامل معه بالمناصرة وغيره بالمناكفة.

ومرة أخرى، يصاب المرء بالذهول أمام النكير العجيب على وزير الدولة بخصوص ما اعتمده في مذكرته من مرجعيات دستورية واتفاقية، حيث ورد في مقال الاستاذ طبيح ما يلي: (انه من غير المفهوم أن تخصص تلك المذكرة أكثر من نصف صفحاتها أي 6 صفحات من أصل11 صفحة، لنقل فصول من الدستور ومن بعض الاتفاقيات الدولية، لم يبق المواطن العادي في حاجة لمن يذكره بها، لكون أحدث الجمعيات المحلية تتداول تلك الفصول بكل بساطة).

والعجيب فعلا أن يقول الاستاذ طبيح ما يقول، وهو الذي كتب مقالا منذ أسابيع يزعم فيه ان الحكومة نسيت عرض مرسوم بقانون يتعلق بحالة الطوارئ على البرلمان، ومدافعا عن رأي لا أساس له ولا سند، حيث ذهب الى القول بأن مصادقتها على المرسوم 2.20.330 المتعلق بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر ارجاء التراب الوطني إلى غاية 20 ماي، يعتبر خرقا للفصل 81 من الدستور، فهل يقال في هذا السياق انه، وهو المحامي والبرلماني السابق، اتى خطأ لا يرتكبه عادة الطلبة المبتدؤون في كلية الحقوق؟

الواقع أن القضايا الخلافية، خاصة على المستويات الحكومية تقتضي دائما استعراض المرجعيات المعيارية التي على ضوئها يتم بلورة أي نص تشريعي، وبالرجوع الى مذكرة وزارة الدولة فسيلاحظ أنها بعد ايراد الفصلين 6 و25 من الدستور أوردت ما يمكن ايراده من مرجعيات اتفاقية دولية، لتأكيد عدم صوابية مقتضيات بعض نصوص مشروع القانون محل النقاش، وتأطير التعديلات التي ينبغي ادخالها على النص في الاتجاه الصحيح، وهو ما يجري العمل به في هذا الباب، ويعتبر من ضمن الوسائل المنهاجية في التأسيس لوجهات النظر وإبداء الرأي، وبذلك تكون المذكرة قد أوردت المرجعيات المذكورة على سبيل التذكير وليس التلقين.

ولأن الأمر يتعلق بمرافعة تبخيسية، فإن صاحب المقال لم يتردد في القول بأن وزير الدولة لم يعترض على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والبضائع والخدمات، وانما اقترح فقط تقليص العقوبة على الدعوة للمقاطعة، ودليله في ذلك انه اقترح استبدال صيغة (الدعوة للمقاطعة) بصيغة (اعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي)، وزاد قائلا بأن اقتراح الوزير يؤدي الى تجريم ممارسة الحق في الاضراب...

وقبل مناقشة الفرية الأولى، يتعين تذكير الأستاذ طبيح بالنسبة للفرية الثانية ان الإضراب لا يمكن تنظيمه، ولا تنظيم أي مقتضى من مقتضياته إلا بقانون تنظيمي، وسنحتاج معه الرجوع الى الدستور خاصة الفصل 29 منه الذي نص صراحة على اصدار قانون تنظيمي يبين شروط وكيفيات ممارسة الاضراب، ولأن الاستاذ طبيح استكثر على وزير الدولة ايراد فصلين من الدستور بدعوى ان الجميع يعرف نصوص الدستور، وبتعبيره (لم يبق المواطن العادي في حاجة لمن يذكره بها، لأن أحدث الجمعيات المحلية تتداول تلك الفصول ببساطة). اذن، وبناء عليه، فإن وزير الدولة كباقي المواطنين يعرف أن التأطير التشريعي للإضراب، لا يمكن ان يكون إلا من خلال قانون تنظيمي، فهل مع ذلك سيسعى الى تجريم الحق في ممارسة الاضراب كما ادعى الاستاذ طبيح عن خطإ أو عمد، من خلال ما اقترحه بشأن تعديل مشروع القانون الذي نحن بصدده وهو قانون عاد؟

ثم ما علاقة موضوع الإضراب كما يؤطره الدستور والاتفاقيات الدولية، وكما يمارس في الديمقراطيات العريقة بموضوع شبكات التواصل الاجتماعي؟

كان على الأستاذ طبيح أن يعرف أن هناك مشروع قانون تنظيمي يتعلق بتحديد شروط وكيفيات الإضراب، وأن هذا المشروع اذ يحدد الكيفية، فإنه يرتب على مخالفتها بطلان ممارسته، وان ممارسته تتم وفق شكليات دقيقة من خلال النقابات، أو الجمع العام للأجراء، وبناء على ملف مطلبي، مع احترام الآجال المحددة، والسهر على تأطير الاجراء المضربين، مع ضمان استمرار الخدمات الأساسية وهلم جرا. ولذلك، لا مجال لهذه الأسباب وغيرها، لإقحام موضوع تجريم ممارسة الإضراب في أي قراءة كيفما كان نوعها لما جاء في مذكرة وزير الدولة، إلا إذا ركب المرء مركب القراءة المتعسفة، البعيدة عن قواعد التفسير الموضوعي، كما وقع في القراءة التي نحن بصدد مناقشتها.

 أما الادعاء بأن وزير الدولة لم يعترض على تجريم الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والبضائع فيكفي الرجوع إلى ما جاء صريحا وواضحا في مذكرته كالتالي: (وفي هذا الشأن نقترح مراجعة حدي العقوبة بتقليصها، كما نقترح على مستوى التجريم، أن يبقى في حدود إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي تماشيا مع فلسفة القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة، ولاسيما ما ورد في المواد 6 و 75 و76، لتكون الصيغة كالتالي "يعاقب بالحبس (تقليص العقوبة) ... من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بالتحريض أو توجيه دعوات إلى العموم ترمي إلى اعاقة الممارسة العادية للنشاط الاقتصادي أو التأثير على حرية الاسعار والمنافسة"، كما هو معمول به في قوانين مقارنة.

واضح اذن، أن ما ادعاه الأستاذ طبيح افتراءات على مرتكزات ومنطوق مذكرة وزير الدولة.

فالمذكرة تقترح تعديلا صريحا وواضحا على مشروع القانون الذي جاء بمقترح واضح نصه كالتالي: (يعاقب بالحبس...كل شخص قام عبر شبكات التواصل الاجتماعي .... بالدعوة الى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض على ذلك).

اذن، مذكرة وزير الدولة لا علاقة لها مطلقا بادعاءات الأستاذ طبيح، فهي تقترح اقتصار التجريم على الدعوات الرامية الى اعاقة النشاطات الاقتصادية، أو التأثير على حرية الاسعار والمنافسة، وليس تجريم المقاطعة المجردة التي جاء بها مشروع القانون.

أما لماذا النص على تجريم الدعوات الرامية إلى اعاقة الأنشطة الاقتصادية؟ فواضح أن المقصود هنا، هو حماية النظام العام الاقتصادي الذي ترتبط به مصالح عموم المواطنين، واستقرار الدولة وجاذبيتها الاقتصادية.

وأما لماذا تجريم الدعوات الرامية إلى التأثير على حرية الأسعار والمنافسة؟ فذلك بهدف منع أي استغلال ماكر من قبل الشركات الاحتكارية التي يمكن أن تسخر الأموال في الدعاية ضد شركات ومقاولات متوسطة وصغرى لإقصائها من السوق بهدف احتكاره والسيطرة عليه.

وعليه، فإن مذكرة وزير الدولة دعت الى اعتماد فلسفة القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة، في صلب مشروع القانون محل النقاش، ولم تقترح أبدا اعتماد أي تعديل للقانون المشار اليه آنفا في اتجاه إقرار تجريم المقاطعة حتى يتعب الأستاذ طبيح نفسه فيما أورده من أرقام لفصول القانون المذكور، وكذا مضامينها، مما لا حاجة ولا سياق يدعو اليه، اللهم الا محاولة استمالة القارئ المستعجل الذي ليس له الوقت لمقارنة النص بالنص.

وهكذا، يمكن القول ان الاستاذ طبيح كتب مقاله في محاولة فاشلة لتبخيس مذكرة وزير الدولة بنفس سياسوي غير لائق، لا علاقة له بالمحاججة القانونية ولا بالمنطق السياسي السليم، فتجنى بذلك على السياسة والقانون.