وهبي ينتقد القراءة التاريخية للإسلام ويدعو لتجاوز المناهج "التقليدية" في فهم النص الديني

سكينة بنزين الأربعاء 19 أبريل 2023
No Image

AHDATH.INFO

ارتباطا بالنقاش الدائر حول إشكاليات الحريات الفردية، وقضايا الأسرة وقوانينها في صلتها بالثوابت المغربية، استضافت مؤسسة الفقيه التطواني، وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي اختار الحديث بإسهاب حول " الدلالة الشرعية والتوظيف الإيديولوجي" لعبارة لا أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحل الله التي وردت في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2022 .

وهبي اعتبر أن المقولة التي تحيل في أصلها على الالتزام بمبدأ الشرعية، تم توظيفها بطرق حرفتها عن روحها ومقاصدها ووظيفتها في تأطير الاختلاف ورفع الخلاف، مضيفا أن الاحترام الواجب لجلالة الملك، يقتضي عدم التعامل مع خطبه وتوجيهاته بنوع من الانتقائية السياسية، أو لتصفية حسابات سياسوية أو فكرية صغيرة، داعيا لعدم إقحام الخطب والتوجيهات الملكية ضمن المنازعات الضيقة التي يسعى إليها الذين لا تهمهم سوى المكاسب السياسية الصغيرة.

وحاول وهبي في عرضه الذي استند فيه على قواعد واجتهادات من الفكر المقاصدي، سد الطريق على ما اعتبره انتصارات وهمية، لمن رأى في مقولة جلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين، " لا أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحل الله"، ردا مباشرا للأصوات التي تنادي بإعادة القراءة والاجتهاد في عدد من الأحكام الشرعية والنصوص الدينية، التي تتعارض مع عدد من المطالب ضمن دائرة الحريات الفردية والحقوق النسائية.

والمثير للانتباه، أن وهبي استند خلال عرضه بعدد من القواعد الفقهية التي يستخدمها المعسكر المقابل في الدفاع عن مشروعية طرحه المناقض لطرح وهبي، حيث اعتبر أن مقاصد الشرعية في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، هي المدخل الأول لأي عملية تجديد واجتهاد، ضمن الإكراهات والتطوارت السريعة التي تتطلب الاستيعاب ضمن المنظومة الدينية، منفتحة على القراءات المتجددة والآليات المستحدثة ... وهي نفسها الكليات التي يرى المعسكر المقابل عند طرح المواضيع الخلافية أنها "مستهدفة" من دعوات القراءات التجديدية.

وزير العدل دعا إلى تجاوز ما وصفه بالمناهج "التقليدية المرتكزة على القراءة المباشرة للنص الديني، والعناية بالمعنى الحرفي للنص ودلالاته اللغوية، إلى النظر في دلالات المقصد، وجعلها أولوية عند التعارض، ومرجحا عند الإشكال .. وليس بناء على قواعد منطقية أو لغوية كما جرى عليه الأمر في المناهج التقليدية".

واعتبر وهبي أن فهم العبارة "لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله"، يتكامل مع توضيحه الملكي بكون الأمر يتم ضمن إطار مقاصدي، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية" .. ليخلص وهبي أن ما جاء على لسان الملك يؤكد صلاحياته الدستوريةَ كسلطة تحكيميّةٍ شرعية عليا تَدْرَأُ الخلاف بين مكونات الأمة. والتحكيم لا يكون بَدَاهَةً إلا بالتوفيق والتشاور والاجتهاد سعيا لما فيه المصلحة.

واعتبر وهبي أن رفع مبدأ الاستناد على الروح المقاصدية التجديدية، يعيق تطور المجتمع وتحرر مواطنيه، ويتعارض بشكل صارخ مع فلسفة "ختم النبوة"، وما تقتضيه من تمكين لسيادة العقل والإرادة الحرة والمبدعة للجماعة كأساس للاجتهاد، كما دعا وهبي إلى الحسم في طرق التعامل مع النص الديني وتجديد الآليات والأدوات اللازمة لفهمه واستنباط الأحكام من منطوقه ودلالاته، والتمييز فيه بين ما هو ثابت وما هو قابل للتغير بتغير الأزمان والأماكن والأحوال والعادات والأعراف، باستحضار المقاصد العامة للشريعة، والأخذ بقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، مع إدراك الواقع بكل تعقيداته والاستعانة بأهل الاختصاص في معرفة تطور الحالة الاجتماعية، ورصد التحولات السوسيو ثقافية.

واستعان وهبي بالورقة التاريخية ليطرح التساؤل حول علاقة الإسلام بالتاريخ وتقلباته، معتبرا الدين خطاب في المطلق مجرد عن الزمان والمكان، بينما التاريخ متحول وحيوي ومتغير، مضيفا أن الدين يهدف إلى الهيمنة على التاريخ، بينما ينزع التاريخ نحو التمرد ما يفرض على الدين في الأخير أن يعيد إنتاج نفسه باستمرار، حسب ما تقتضيه الخصوصيات الزمانية والمكانية.

وأشار وهبي أن العبادات وحدها تستند على النقل من النص أو التواتر العملي، بينما المعاملات الأصل فيها سلطة المصلحة والعقل، معتبرا أن ما كان منسجما مع المصلحة العامة للمجتمع العقلاني فهو حلال بغض النظر عن النصوص الجزئية التي وردت في هذه الأبواب، لارتباطها بسياقها التاريخي والثقافي، ومناطها المختلف باختلاف الأزمان والأماكن .