نقاش رفع تجريم الإجهاض، من المواضيع المجتمعية المثيرة للجدل، والتي يحاول البعض تقديمها داخل المغرب وكأنها من المسلمات التي تجاوزها "العالم المتحضر"، مع كل التحفظ الممكن حول هذا التوصيف الخيالي الذي نجح الغرب في تصديره نحو دول "العالم الثالث" زمن صناعة الرواية الواحدة، قبل أن يصبح هناك أكثر من منفذ لرؤية العالم.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
إلا أن الإجهاض الذي يحاول البعض اختزال نقاشه و تقديمه كإجراء طبي بسيط، يحمل في الحقيقة خلفه تركة ضخمة من الأحكام و القناعات والممارسات السكيزوفرينية لمجتمع عصي على الفهم، وظواهر معقدة تحتاج لمجهود جبار يتجاوز التشخيص والتحليل، نحو ضمانات حقيقية للمرور نحو الفعل المتماهي مع خصوصية المغرب وثوابته وقيم مكوناته التي لا تتسم بالتطابق، حيث تجد الحداثي والمحافظ والمتذبذب ضمن خانات من القناعات الهجينة التي يقف علماء الاجتماع أمامها عاجزين.
لكن يبدو أن الخبراء الذين تعتمد عليهم منظمة العفو الدولية "أمنستي" بالمغرب، عاجزين عن رؤية هذا التنوع المغربي الذي لا يمكن التعامل معه بمنطق الإملاءات المتعالية في موضوع حساس، كموضوع الإجهاض الذي لا يمكن وضعه ضمن خانة صحية صرفة تبعا لتوصيات المنظمة التي قدمت يوم 14 ماي، تقريرها حول رفع التجريم عن الإجهاض في المغرب، ودعت لإخراجه من مجال إنفاذ القانون، مع الدعوة لإلغاء جميع أحكام القانون الجنائي التي تجرم إجراء الإجهاض أو المساعدة في الحصول على معلومات أو أدوية أو خدمات تتعلق به، مع التأكيد أن الحقوق الإنسانية لا تخضع لسقف الدين والخصوصية الثقافية لكل دولة !!!
هذا الطرح "المتعصب" في تقزيم حضور الدين والخصوصية الثقافية، يبعث رسائل مفادها أن الدين والقيم المحلية تفتقر للجانب الحقوقي، وأن الدين في خصام مع الطب ودوره المحوري في نقاش الإجهاض وتداعياته الخطيرة على صحة النساء وفقا للشهادات المؤثرة التي قدمها تقرير"أمنستي"، حيث تم تسليط الضوء على معاناة 33 حالة كان مصيرها السجن، أو التشرد، أو مغادرة مقاعد الدراسة، أو الطرد من العمل، أو التهديد بالقتل من طرف الأسرة، إلى جانب النبذ المجتمعي.
وعلى الرغم من افتقاد تقرير "أمنستي" لأرقام معبرة حقيقية تعكس جدية العمل على الموضوع، وتتناول سببا من الأسباب القاهرة التي تقوي مطلب رفع تجريم الإجهاض، كتلك التي نجدها على سبيل المثال في دارسة لباحثين أمريكيين، نشرت بمجلة "جما" الطبية، حيث تم تسليط الضوء على تداعيات تجريم الإجهاض على ضحايا الاغتصاب، بعد الوقوف على أزيد من 64 ألف حالة حمل نتجت عن حوادث اغتصاب داخل 14 ولاية تحظر الإجهاض، مع تتبع مسار محاولات الحصول على الإجهاض بطرق غير قانونية، سواء تعلق الأمر بالسفر خارج الولايات، أو الحصول على أدوية إجهاض عبر الانترنيت، أو الاضطرار للحافظ على الجنين بسبب التأخر في معرفة الحصول على حمل، إلى جانب الحرمان من نظام الرعاية الصحي.
إلا أنه -أي التقرير- قد تناول نقطة جد مهمة مرتبطة بشق العلاقات خارج إطار الزواج، حيث يتم في الغالب استدراج النساء الباحثات عن الأمان والزواج ، سواء كن أرامل أو مطلقات أو عازبات في وضعية هشاشة، من طرف رجال متلاعبين، وهنا تبرز أهمية العمل على الشق الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب الدين كمعطى يساهم في الحل، ذلك أن الرجل المحرك للخطاب الديني المتحامل على النساء، يجب أن يتحلى بما يكفي من الأمانة والمسؤولية ليظهر قبح الممارسات المنافقة التي تعفي الرجل من تداعيات العلاقات خارج إطار الزواج، وأن يتشدد في معايير"عفة الرجل" بقدر تشدده مع المرأة، بانتظار قوانين أكثر تناغما مع جوهر الدين لا فهم رجال" الدين واللادين".