"وضع شرعي طبيعي، مقابل عالم آخر منفصل عن الحقيقة"، هي الثنائية التي حددت ضمن الخطاب الملكي بمناسة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، واقع التقدم الذي راكمه المغرب بخصوص قضية وحدته الترابية، والذي كان آخره الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء.
في الحوار التالي يستعرض السعيد عتيق، المحلل السياسي وأستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش، السياقات الجديدة التي رسمت معالم الخطاب الملكي، وما ينبني عليها من رهانات ترمي بتداعياتها على المحيط الإفريقي ككل، خاصة في الشق المرتبط بالمبادرة الأطلسية، كما يتناول السعيد بالتفصيل عددا من الوسائل التي اعتمدها المغرب للدفع بملف الصحراء بعيدا عن منطق الباب المسدود الذي حاول "الجمود الجزائري" جعله أمرا واقعا يمدد عمر النزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
ما دلالات اختلاف نبرة الخطاب الملكي الأخير عن الخطابات السابقة حيث كان عنوان اليد الممدودة للجيران حاضرا في كل المحطات، مقابل انتقاد لما وصف بالعالم الآخر المنفصل عن الحقيقة والمتشبث بالأطروحات المتجاوزة؟
الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس للأمة بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، جاء في سياق ورهانات جديدة مرسخا كما في غير مرة مبادرة اليد الممدودة وحرص المغرب على بناء جسور متعددة وفاء لقيم ومبادئ حسن الجوار التي دأب المغرب على احترامها دوما، لكن في المقابل أصرَّار الجارة على الجمود بقيت كما كانت مساراتها الدبلوماسية تراوح مكانها، دون أي تفاعل غير مبرر داخليا، وأيضا أمام باقي دول العالم الذي يتابع عن كثب كل المبادرات والمساعي الجادة التي يتقدم بها المغرب لحل هذا النزاع المقتعل
حينما نتحدث عن اليد الممدودة اتجاه الطرف الاخر لابد من الإشارة ان المغرب كان ولازال وسيبقى شريكا موثوقا لدول الجوار سيواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبناءة، وداعما رئيسيا للقضايا المشتركة في مختلف الأوضاع والظروف، التي يعتبرها ضمن الأولويات والانشغالات الرئيسية، جلالة الملك ما فتئ يؤكد بالملموس تبني اليد الممدودة للشعب الجزائري، رغم كل المحاولات و الحملات العدائية ضد بلادنا ورموزها ومؤسساتها العتيدة، برهن بحكمة عن ديمومة التضامن والتكافل في سبيل حل الأزمات التي تواجه الأشقاء
دائما وارتباطا بمبادرات اليد الممدودة، الخطاب الملكي قدم مبادرة تعكس مرة أخرى اليد الممدودة، هي مبادرة لكل الذين يحاولون للوصول إلى المحيط الأطلسي، اليوم أمامهم فرصة لا تعوض تتمثل في الانخراط الجاد في المبادرة الأطلسية التي أطلقها جلالته، كونها سبيلهم الوحيد الذي لا غير له للمشاركة في ديناميتها التنموية المبتكرة لتأهيل المجال الساحلي وتوحيد آليات استدامة التعاون الافريقي، كما هي فرصة للانخراط في تأسيس هندسة تنموية للتعاون من أجل منح فرص غير مسبوقة للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي في إطار الشراكة والتعاون تحقيقا للتقدم المشترك لكل شعوب المنطقة
هذا، وبالرجوع الى مضامين الخطاب الملكي السامي، أكد جلالة الملك ان عدالة قضية الصحراء المغربية واقع وحقيقة، هذه الاخيرة أجمعت حولها وأمنت بها كبريات دول العالم ذات العضوية الدائمة بمجلس الامن كالولايات المتحدة الامريكية؛ وفرنسا؛ والدعم المتنامي لإسبانيا ودول القارة الافريقية والوطن العربي، ودول عديدة تزداد يقيناً يوماً بعد يوم بعدالة القضية ودعمها في الساحة الدولية، وهو ما يترجم في سعيها الجاد الانخراط الفعلي والمياني في الدينامية الصريحة والملموسة للاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، وما تحظى به مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية من دعم واسع النطاق إيمانا بما تشهده من نهضة تنموية مستدامة، ومن أمن والاستقرار مشهود لها
الخطاب الملكي أكد لكل الذين يحاولون تزييف الحقيقة بأن الوضع الشرعي والطبيعي للصحراء المغربية لا يقبل التأويل أو التزييف، وهو حق تقره الحجج الشرعية والقانونية والحقوق التاريخية، وروابط البيعة القائمة عبر التاريخ الطويل بين ابناء الصحراء وملوك المغرب، مرسخة تشبتهم المتين بمغربتيهم وتعلقهم بمقدسات الوحدة الترابية للمملكة والذود عن حماها، بما يبرهن في كل الاتجاهات الارتباط القوي للمملكة بصحرائها التي هي جزءًا من أراضيها، ترابطا قويا ظل متبادلا بين المغرب وصحراءه
ارتباطا بذات السياق، محاولات استغلال قضية الصحراء المغربية تعكس بشكل واضح وبَيِّن عن حالة الارتباك العميق والفشل الذريع الدي يعيشه كل هؤلاء الذين يستغلون قضية لتغطية توالي تراكم الأزمات الداخلية لبلدانهم سواء السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية، وحجم اتساع تفاقمها بشكل لم يعد متحك فيه، وبالتالي لا يجدون سوى السعي الخبيث تصريف أزماتهم الداخلية بالعداء ضد المملكة ومؤسساتها وكل قضاياها الوطنية وفي مقدمتها الوحدة الترابية، في خطة باتت مكشوفة كما في كل مرة هدفها الأساسي خلق النعرات المتكررة وتسويق الأوهام والأطروحات التي تجاوزها الزمن
حقيقة ان ما وصلت اليه الأقاليم الجنوبية من تطور وتقدم وازدهار بفضل رؤية جلالته التنموية المتجددة مكنتها من نهضة تنموية وانتصارات ومكاسب دبلوماسية تاريخية غير مسبوقة، فلا نكاد نخرج من انتصارات أو بإنجازات إلا ونحن أمام انتصارات ومكاسب أخرى جديدة يسجلها التاريخ بقيادة جلالته هي جميعها إنجازات سطرها المغرب بجد وبثقة، لكن في المقابل هي نفسها تكشفت عجز الذين يحاولون تسويق اطروحات وهمية، مجاراة ومسايرة هدا التطور التنموي للمملكة وعيشهم في حالة من التيهان السياسي والاقتصادي والعزلة عن واقع التطورات والتحولات الدولية
ورد في الخطاب الملكي وصف العالم المتجمد كمقابل ربما للدينامية التي تعرفها المملكة على عدة مستويات، في نظركم ما هي الوسائل التي اعتمدها المغرب بشكل فردي لتخطي الجمود الذي يفرضه الآخر، لفرض إيقاع متسارع يخدم القضية الوطنية والتي كان من ثماره الأخيرة الاعتراف الفرنسي؟
حينما نتحدث عن الوسائل التي اعتمدها المغرب كما تفضلتم في سؤالكم، فقد ذكرها الخطاب الملكي حيث أكد جلالته على ان المغرب تمكن من ترسيخ واقع ملموس، وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية ويتجلى ذلك من خلال أولا تشبث أبنائنا في الصحراء بمغربتيهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب، وثانيا: النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية، تم ثالثا : الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي
طيب، هي أسس متعددة ومداخيل تاريخية وتنموية وديبلوماسية، بكل تأكيد وكما تفضلتم مكنت من فرض إيقاع متسارع وستمر لخدمة القضية الوطنية، ولنا عودة لدلالات الاعتراف الفرنسي، لكن قبل ذلك لابد من الرجوع الى مسار التطور الحاصل في قضية الصحراء المغربية فقد حققت بلادنا منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس للعرش المجيد نهضة تنموية مستدامة بالأقاليم الجنوبية دفعت العديد من دول العالم الانخراط في دينامية التنمية بالصحراء المغربية، ذلك لما تشهده هاته الأقاليم الترابية على غرار باقي أقاليم المملكة من نموذج تنموي محفز على الاستثمار والانتعاش الاقتصادي، وهو ما يجسد إيمان العديد من الدول بأن الصحراء المغربية تتوفر على جميع المؤهلات لتكون قطبا للتنمية وبوابة دول القارة الافريقية ونحو أوروبا ومحيطها الخارجي
الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية متعددة الأنماط تشهد العديد من الأوراش و المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، برهن المغرب لكل دول العالم على ان الأقاليم الجنوبية تعرف بشكل مستمر نهضة تنموية مشهود لها بالتقدم التنموي، هذا التقدم ساهم في ديمومة تلقي طلبات الاستثمارات المكثفة أضف الى ذلك ان الصحراء المغربية أصبحت تحتضن كل مناطق القارة الإفريقية وسعيها التواجد بقوة في الأقاليم الجنوبية للصحراء من أجل خلق فرص للتعايش والتعاون وخلق الشراكات المتعددة، وبالتالي الحرص على توطيد العلاقات مع المملكة المغربية على أسس متينة القائمة على الشراكة التنموية وهو ما يعزز دينامية التمثيليات القنصلية بالأقاليم الجنوبية وسعيها الجاد والقوي تعزيز حضورها بالصحراء المغربية ايمانا بعدالة القضية ودعما لمبادرة الحكم الذاتي، والسعي من اجل المساهمة في ما تشهده الصحراء المغربية مشاريع واوراش تنموية
وبالتالي هذا المعطى يدفعها في اتجاه قرار تعزيز الحضور الدبلوماسي في الصحراء المغربية، وقطع جميع الروابط مع الأوهام الانفصالية من جهة، ومن جهة ثانية هاته الخطوات الديبلوماسية تساهم في استدامة الأهداف المشتركة القائمة على إنعاش النشاطات الاقتصادية، وتوطيد العلاقات التجارية وتنميتها وتطويرها، حيث إن المغرب تبنى مند 2011 تفعيل الجهوية المتقدمة القائمة في فلسفتها على الانتقال المستدام إلى نظام اللاتمركز الإداري كنظام تدبيري وتنظيمي لتنمية المجال الترابي، كما ان ورش الجهوية المتقدمة يسر بشكل كبير تفعيل تصور ناجع ومستدام للمقاربة التنموية الشاملة للتراب الوطني
جدير بالذكر أن هاته المبادرة- افتتاح القنصليات- تستند قانونيا للمعايير والممارسات الديبلوماسية طبقا لاتفاقية فيينا حول العلاقات القنصلية لسنة 1963، التي تواكب أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بسيادة المساواة بين الدول وصيانة السلم والأمن الدوليين، ونمو العلاقات الودية بين الأمم، لاسيما المادة 2 و 4، حيث تنص المادة الثانية من الاتفاقية بشكل واضح و صريح على أن إنشاء العلاقات القنصلية تتم بين الدول بالاتفاق المتبادل بيها، كما تدعم هدا الإجراء المادة 4 من نفس الاتفاقية، تجسيدا قانونيا لسيادة المغرب على أراضيه وفقا لما هو متعارف عليه في القانون الدولي
وبالرجوع الى اعتراف فرنسا بعدالة القضية الوطنية يعكس دينامية الاعتراف الدولي وتمظاهراتها الواقعية والميدانية، ترتكز على ترسيخ سيادة المغرب على ترابه، وعلى توسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كما ان اعتراف الجمهورية الفرنسية بعدالة القضية الوطنية يعكس مسار الدعم الدولي الذي يشكل توافقا واجماعا دوليا على عدالة القضية وشرعيتها القانونية وبالحقوق التاريخية للمغرب
اعتراف الجمهورية الفرنسية مهم جدا لما له من دلالاته كثيرة، بحيث انه جاء من دولة كبرى لها وزنها في الساحة الدولية ولها تّأثيرها لدى المنتظم الدولي لاسيما انها عضو دائم بمجلس الأمن، وفاعل مؤثر في الساحة الدولية تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية، أيضا الجمهورية الفرنسية تعرف جيدا حقيقة وخلفيات وخبايا هذا النزاع الإقليمي المفتعل، بما يحمله موقفها من دلالات سياسية وتاريخية عميقة، إضافة إلى أغلبية دول الاتحاد الأوروبي. وعليه فاعترافها بعدالة قضية الصحراء المغربية يعد انتصارا للحق والشرعية، وبالتالي الموقف الفرنسي بات يشكل مرة أخرى على غرار مواقف دول أخرى تأكيدا صريح وواقعيا لكل دول الاتحاد الأوروبي ولكل دول العالم على عدالة القضية وشرعيتها
الموقف الفرنسي حتما سيحرك مواقف دول أخرى سواء داخل القارة الأوروبية أو الافريقية وسيكون له صدى إيجابي في الساحة الدولية ومنظماتها من جهة، ومن جهة تانية اعتراف يعزل و يسد الطريق على كل الذين حاولوا التشويش وخلق النعرات بهدف عدم توحيد وتجويد هاته العلاقة رفيعة المستوى المتجذر في التاريخ