كشفت نتائج استطلاعات الباروميتر العربي، عن نتائج غير متوقعة في الشارع العربي عقب الدمار الكبير الذي خلفته الحرب على غزة على امتداد 15 شهرا، قبل أن تلوح في أفق مساء الأربعاء 15 يناير 2025، بوادر انفراج لمرحلة ما بعد 7 أكتوبر بكلفتها الإنسانية الثقيلة.
وقبيل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وفي الوقت الذي كان الخبراء يتوقعون تراجع الأصوات الداعمة لعملية السلام، تبين العكس، حيث عبر عدد من المستجوبين ضمن استطلاعات الباروميتر العربي عن تبنيهم الدعوة إلى حل سلمي يتضمن أربع خيارات، كان أهمها حل الدولتين بناء على حدود 1967، أو دولة واحدة لليهود والعرب.
وقد عبر 48 بالمائة من المستجوبين المغاربة عن دعمهم لحل الدولتين، كما أن الملفت في النتائج المرتبطة بحل دولة واحدة تضم اليهود والعرب، أن أعلى نسبة سجلت بين صفوف المستجوبين المغاربة التي وصلت 21 في المائة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
في الحوار التالي، نسلط الضوء على بعض دلالات هذا الاستطلاع، رفقة الباحث في الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، الذي يؤكد على دور المملكة في الدفع بحل الدولتين عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية للضغط على المجتمع الدولي، إلى جانب تسليطه الضوء حول أسباب التماهي بين الموقف الرسمي والشعبي بخصوص مطلب حل الدولتين.
إلى أي حد ساهمت الكلفة الكبيرة للحرب الأخيرة على غزة، في إعادة تسليط الضوء على حل الدولتين؟ وهل يمكن بعد هذه الحصيلة الدامية التي تجاوزت 46 شهيدا بالقطاع الحديث عن توفر شروط مناسبة لوضع هذا المطلب على سكته الصحيحة؟
الحرب الأخيرة في غزة كان لها تأثير كبير على الرأي العام العربي بشكل عام والمغربي بشكل خاص. فقد أدت الكلفة الإنسانية الباهظة والتدمير الواسع إلى تجدد النقاش حول حل الدولتين كأفق واقعي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الكلفة الباهظة للحرب جعلت المجتمع الدولي يعيد النظر في ضرورة إيجاد تسوية عادلة تتسم بالاستدامة، مما أعاد تسليط الضوء على حل الدولتين كخيار يحظى بتأييد شعبي واسع في العديد من الدول العربية.
إذا كانت الحصيلة الثقيلة للحرب قد أثرت سلباً على حياة الفلسطينيين بشكل مباشر، فإنها من جانب آخر ساهمت في خلق مناخ شعبي يستدعي الحسم في هذا الملف. رغم أن الحرب كانت محورية في تحفيز النقاش حول حل الدولتين، إلا أن واقع الشروط السياسية على الأرض يعكس تحديات كبيرة في ترجمة هذا المطلب إلى أفعال ملموسة.
لا يمكن إنكار أن المجتمعات الغربية في الغالب لا تزال مترددة في تقديم دعم فعّال لحل الدولتين على المدى الطويل، بل يتزايد الميل لدى البعض نحو مقترحات بديلة قد لا تضمن حقوق الفلسطينيين بشكل كامل. لذلك، فإن توفير شروط سياسية حقيقية لوضع حل الدولتين على سكته الصحيحة يتطلب إرادة سياسية من القوى الكبرى في العالم، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل التطورات الراهنة.
أعتقد أيضا أن القضية الفلسطينية تتطلب توازنا بين القوى الإقليمية والعالمية لتحقيق تقدم ملموس نحو حل الدولتين. في هذا السياق، تتجسد أهمية دور المملكة المغربية التي تبقى من المدافعين الرئيسيين عن هذا الحل. يتوجب على الدبلوماسية المغربية تكثيف الضغط على المجتمع الدولي وخصوصا القوى الكبرى للتأكيد على ضرورة العودة إلى المفاوضات وفق إطار زمني محدد يُفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وإذا كان الحديث عن حل الدولتين يتجدد في سياق الحروب المستمرة، فإن الاستمرار في تسليط الضوء عليه يتطلب تهيئة بيئة سياسية وإقليمية مواتية لهذا الحل، وهو ما يبدو مرهونًا بإرادة دولية وإقليمية موحدة. هنا تبرز أهمية الدبلوماسية المغربية في الحفاظ على هذا المطلب على الطاولة العالمية
ما هي أسباب التماهي بين الموقف الرسمي والشعبي المغربي في الرهان على حل الدولتين؟
إن التماهي بين الموقف الرسمي والشعبي المغربي في الرهان على حل الدولتين يعود إلى جملة من العوامل التاريخية والثقافية التي تجعل المغرب أحد الداعمين الرئيسيين لهذا الحل. فمنذ الاستقلال، وضع المغرب القضية الفلسطينية في صلب سياساته الخارجية، حيث كانت فلسطين دائماً حاضرة في خطاباته الرسمية وفي الدعم الشعبي الواسع للقضية الفلسطينية.
أيضا يجب الإشارة إلى أن المغرب يلتزم بموقف ثابت من قضية الصحراء المغربية، وهو ما يضاعف التقدير للموقف المغربي من حل الدولتين كحل يحترم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. الموقف المغربي الرسمي بقي على مر السنين متسقًا مع تطلعات الشعب، الذي يملك من الوعي السياسي ما يجعله يتابع عن كثب تطورات القضية الفلسطينية.
يرى المغاربة في حل الدولتين فرصة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، ما يتماشى مع مواقفهم المبدئية حول حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. الوعي التاريخي والتضامن الإنساني العميق مع الشعب الفلسطيني يعزز هذا التماهي بين الموقفين الشعبي والرسمي.
من ناحية أخرى، فإن التماهي بين الموقفين يعود أيضاً إلى التحولات الإقليمية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا مع تنامي التحالفات العربية-الإسرائيلية التي لم تقابلها نتائج ملموسة تجاه القضية الفلسطينية.
في هذا السياق، يتمسك المغرب بموقفه الثابت على المدى البعيد، ويسعى إلى الدفع نحو تحقيق حل الدولتين عبر المؤسسات الدولية، مدعومًا بتوافق شعبي واسع يشدد على ضرورة الحفاظ على الحقوق الفلسطينية. أظن أيضًا أن هناك بعد ديني ثقافي في العلاقة بين المغرب وفلسطين، حيث يعتبر الكثير من المغاربة أن القضية الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من الهوية العربية والإسلامية. لذلك، تظل قضية فلسطين في قلب الوجدان المغربي، مما يعزز التماهي بين الموقفين الرسمي والشعبي ويجعلهما في تناغم مستمر.
ما هي الخلاصات التي يمكن استقراؤها من النسب التي تشير أن المغرب كان من أكثر الدول التي أيدت فكرة دولة واحدة تضم اليهود والعرب بالنظر إلى تشبع المغاربة بفكر التعايش؟
إن النسبة العالية التي أيدت فكرة دولة واحدة تضم اليهود والعرب في المغرب تشير إلى تحول في التفكير السياسي والاجتماعي يتماشى مع تاريخ المغرب الطويل في التعايش بين مختلف الأديان والأعراق. فمن المعروف أن المغرب يتمتع بتقاليد عريقة من التسامح الديني والثقافي، حيث كان اليهود والمغاربة المسلمون يعيشون معًا لعدة قرون في جو من التفاهم والتعاون.
هذا الواقع التاريخي يعكس درجة عالية من الانفتاح على التنوع الثقافي، مما جعل العديد من المغاربة يرون في فكرة "دولة واحدة" فرصة لتحقيق تسوية سلمية توفر المساواة بين جميع السكان، بغض النظر عن الدين أو العرق.
هذه النسبة العالية تدل أيضًا على قدرة المغاربة على التفكير خارج نطاق الحلول التقليدية، حيث يمكن أن يُنظر إلى فكرة الدولة الواحدة كحل مبتكر قد يساهم في تخفيف التوترات في المنطقة، رغم أنها ليست الخيار المفضل من قبل غالبية الدول العربية.
ورغم أن هذا الحل يواجه معارضة شديدة من قبل إسرائيل، إلا أن دعم فكرة الدولة الواحدة يعكس رغبة في إيجاد أرضية مشتركة تجمع بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في دولة موحدة تشترك في الحقوق والواجبات. يجب الإشارة أيضًا إلى أنه قد يكون هذا التأييد مستمدًا من اعتقاد المغاربة بأن حل الدولتين لا يزال بعيدًا بسبب السياسات الإسرائيلية الاستيطانية المستمرة، وهو ما يجعل خيار الدولة الواحدة يبدو أكثر واقعية في أعينهم كحل يحقق العدالة للفلسطينيين.
إن دعم فكرة الدولة الواحدة يعكس أيضًا استجابة لديناميكيات التحولات السياسية الإقليمية، حيث بدأ بعض المغاربة يرون أن تحولات الواقع قد تفرض حلولاً غير تقليدية على الأرض.
في نظري، رغم دعم هذه الفكرة في بعض الأوساط الشعبية، إلا أن المواقف الرسمية المغربية تظل متمسكة بحل الدولتين، وهو ما يعكس تفاوتًا بين الحلول المثالية والواقعية. ومع ذلك، فإن هذه النسب تعكس عمق التفكير الفلسفي والسياسي لدى الشعب المغربي، الذي يسعى إلى السلام العادل في المنطقة، حتى وإن كان ذلك يتطلب حلولًا غير تقليدية.