«معاوية»!
ينجح هذا المسلسل في دفعك نحو منطقة خطيرة للتفكير، ونحو طرح سؤال مؤلم أليم: ماذا لو لم يقع الصراع السياسي بين الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وماذا لو بقوا أولئك المؤمنين بالدنيا الآخرة، الذين يفضلونها على الدنيا الفانية، والذين يستحيل أن يريقوا دم بعضهم البعض وهم يصيحون معا «الله أكبر»؟
مؤلم هو السؤال حقا مع توالي الحلقات، ومع اشتداد الصراع بين القبائل حول الحكم، وأكثر منه إيلاما أن هذا الصراع السياسي الذي ابتدأ منذ قرون عديدة، لازال قادرا على العيش بيننا، ولازال يجد في القرن الواحد والعشرين من يعتمد عليه، ومن يتكئ على جزء من أجزائه، لكي يجد الفتوى الملائمة التي تتيح له إخراج بقية المسلمين من الملة، وقتلهم بداعي الدفاع عن نفس الملة التي تجمعهم كلهم.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
في حلقة من الحلقات عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، بيد مسلمين مثله، يقول من يرغبون في القصاص له إنهم يريدون القيام بذلك تطبيقا لشرع الله، وفي مقدمتهم بطل المسلسل والأحداث، معاوية بن أبي سفيان.
في الوقت ذاته يرد عليهم من ناصروا الإمام عليا ابن أبي طالب، كرم الله وجهه، إنهم يؤجلون مسألة عقاب قتلة عثمان، درءا لمفسدة كبرى، هي الفتنة بين المسلمين، وذلك تطبيقا لشرع الله، هم الآخرون.
في النهاية يرفع هؤلاء وأولئك السيوف في وجه بعضهم البعض، ويقتلون بعضهم بعضا، وكل طائفة منهم تعتقد أنها تطبق شرع الله.
لذلك عانى هذا المسلسل قبل الخروج هذه السنة على شاشة «إم بي سي» ومنصة «شاهد».
ذلك أن العرف جرى لدينا منذ قرون وقرون أن نتفادى ذكر الصراع الدنيوي، السياسي، حول الجاه والمال والسلطة، الذي جمع المسلمين بعد وفاة نبي الرحمة، عليه الصلاة والسلام، لكي نردد جميعا أسطورة حولت أولئك الآدميين، وهم آدميون خطاؤون وغير معصومين، وليسوا أنبياء ولا ملائكة، إلى كائنات نورانية لم تخطئ أبدا، ولم تزل، مع أن كل القراءات التاريخية تقول العكس تماما.
هذا المسلسل، لديه بالإضافة إلى شجاعة تجسيد أدوار الصحابة كلهم، شجاعة الدفع دفعا نحو طرح سؤال الصراع السياسي في فجر الإسلام، وكيف استولت السياسة على الدين، وحولته من شريعة جامعة للعباد لعبادة ربهم، إلى أداة حكم تخضع للقراءات المتنافرة بين مسلمين حضروا بداية نزول الدين، وعاشروا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ونسوا بعد وفاته خصاله عليه الصلاة والسلام، وتذكروا الصراع حول مغانم الدنيا، حتى طفق عثمان بن عفان يسألهم قبل قتله إن كانوا يتذكرون أنه واحد من العشرة المبشرين بالجنة، ومع ذلك نسوا، ومع ذلك قتلوه، مثلما قتلوا عليا بعده، ولم تتوقف حكاية القتل باسم كل قراءة للدين حتى الآن.
لمثل هذا تصلح المسلسلات في رمضان وفي غير رمضان، لدفعنا نحو طرح أسئلة قد تكون مزعجة وأليمة وصادمة، لكنها في نهاية المطاف ضرورية جدا، ودون جواب صريح وشجاع عليها، سنواصل إعادة اجترار نفس الأخطاء التي ارتكبها السلف الصالح، وهم يقتلون بعضهم بعضا، ويصبحون في وجوه بعضهم البعض «الله أكبر».
عودة القتل!
عاد القتل لكي يقتل بعضه في القطاع. بين فلسطين وإسرائيل، هناك أناس، من الجانبين، لا يمكن أن يعيشوا في سلام.
جيناتهم ترفض ذلك، وسبب وجودهم هو الموت، وحطب حربهم هم الأبرياء المدنيون هناك من الضفتين، ومبرر الدمار والموت والقتل والفناء لديهم جاهز، إذ لا تنقصهم، ولن تنقصهم يوما ما التبريرات الكاذبة والمبررات الأكثر كذبا.
ما الحل مع عدم قدرة القتل والقاتلين هناك على الشبع من الدماء؟
الدعاء للمنطقة بالشفاء منهم، مع أن الإحساس الأليم الذي يراود الحالمين بالسلام حد تحوله إلى قناعة لا تتزحزح هو أن القتل سيغلب لفترة إضافية من الوقت، الحياة والسلام والتعايش هناك.
إلى متى؟
علم ذلك فعلا عند ربي.
لك الله يا أرض السلام المباركة من الإله، والملعونة اللعينة من الإنسان.
لك الله، وكفى.
(ترمضينة وصافي)!
لا يمكن لعديم التربية أن يكون مناضلا.
لا يمكنه أيضا أن يكون صحافيا.
ولا يمكنه في المقام الثالث أن يكون إنسانا.
عندما تقرأ تدوينات عديم التربية، قبل وأثناء وبعد ما وقع ويقع وسيقع له، تتأكد من شيء واحد فقط: لا يمكن لقلة، بل لانعدام التربية أن يكونا نضالا، ولا صحافة، ولا إنسانية، ولا أي شيء على الإطلاق.
فقط، لا غير.