رحاب حنان: لا إمكان لإعلام متطور دون احترام كرامة الصحافيين وتأهيل المقاولات الإعلامية

بقلم حنان رحاب السبت 12 أبريل 2025

 يحصل أحيانا أن نتضايق مما يثيره قطاع من الرأي العام حول الإعلام الوطني، بحيث يتم تحميله عسفا مسؤولية استشراء الكثير من الظواهر السلبية أو الأوضاع غير المقبولة. 

في عرف الكثيرين واعتقادهم فإن تدني الذوق الفني مثلا هو بسبب الإعلام، وقس على استشراء الجريمة، والفساد، وحتى تدني القدرة الشرائية للمواطنين، تجد من يربطه بالإعلام، لأنه حسبه لا يقوم بدوره.

 في هذه الصورة التي يراد تعميمها، ونقلها من الفرضية فقط إلى الحقيقة المطلقة، الكثير من تحميل الصحافة أكثر مما تحتمل، في واقع محلي تفقد فيه هذه الصحافة نفسها يوما بعد يوم القدرة على التأثير، بله صناعة الرأي العام.لكن رغم ذلك، يمكن أن نجد في الأمر بعض الإيجابيات، ولو من باب "رب ضارة نافعة"، ذلك أن هذا يعني ضمنيا أن الناس تؤمن بدور الإعلام، وتعلن بطريقة غير مباشرة حاجتها إلى إعلام وطني قوي ومهني واحترافي. 

غير أن المنطق يترجمه القول المأثور: إذا أردت أن تطاع فآمر بما هو مستطاع. وفي حالتنا هذا، هل يمكن أن يكون سقف انتظاراتنا من الإعلام الوطني أعلى مما هو سائد، في الحال الذي توجد عليه أغلب المقاولات الإعلامية، وفي الوضعية التي يرزح تحت عقابيلها الفئة الأوسع من المشتغلين في مهن الإعلام والصحافة والنشر.

إن الميزانيات المخصصة في قوانين المالية المتعاقبة، سواء المخصصة للنهوض بالإعلام العمومي، أو تلك المرصودة لدعم المقاولات الصحافية تظل قاصرة عن إمكان تغطية ولو الحد الأدني المطلوب توفيره لاستنبات ممكنات وجود إعلام وطني منافس للإعلام الأجنبي، وقادر على الصمود في وجه المنافسة الكبرى وغير المتكافئة التي ولدها تحدي الوسائط الاجتماعية الرقمية. 

ورغم ما يتم تضخيمه من أرقام في السوشل ميديا حول مبالغ الدعم، فبمقارنتها مع ما تخصصه دول قوية اقتصاديا وإعلاميا من أشكال دعم مباشر وغير مباشر، سيتبين بأن الدعم التي تخصصه الحكومات المتعاقبة يعكس أننا لم نصل بعد إلى الوعي بأن قطاع الإعلام هو قطاع استراتيجي، تتقاطع فيه الأبعاد الثقافية والمعرفية والدبلوماسية والأمنية والروحية، وأننا نخسر كثيرا من النقط بتخلفنا الإعلامي، بل إن ما نربحه في محيطنا الإقليمي على مستويات الأمن والدبلوماسية والاقتصاد لا يتم تثمينه إعلاميا، مما يقلص من إمكان مكاسب أكبر.

 لكن سؤالا ينتصب بقوة: ما المدخل للنهوض بالإعلام الوطني، حتى يلعب دوره من جهة في الدفاع عن المصالح الوطنية، ومن جهة أخرى في القيام بدوره نحو المجتمع إخبارا وتثقيفا وتحصينا ومساهمة في النقاش العمومي؟ أعتقد اننا قمنا بما يكفي من عمليات التشخيص لمكامن الضعف، وهي معروفة، ولا أعتقد كذلك أنه يصعب وضع خريطة طريقة واضحة لذلك، شريطة انبنائها على نفس تشاركي، يكون لأهل الاختصاص فيها الحضور الأقوى.

ولكن دون توفر المدخلين الأساسيين التاليين، فأعتقد أننا سنظل ندور في حلقة مفرغة: 1/ احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة العاملين في مهن الإعلام والصحافة والنشر، بما يمكن من تجويد وضعهم الاعتباري داخل المجتمع، فلا نهضة للإعلام بدون رأسمال بشري مهني  مكون تكوينا جيدا، ومستقر اجتماعيا ونفسيا، ويعيش أمنا وظيفيا يدفع للإبداع بما يوفر من إمكانات الترقي المهني والاجتماعي.2

/ تأهيل المقاولات الإعلامية سواء العمومية والخاصة، بما يحعل كل الإمكانات متوفره لديها، حتى تكون قادرة على منافسة الإعلام الأجنبي، وعلى إشباع حاجات المواطنين، وعلى أن تصبح مصدرا أساسيا للمعلومة، ليس على المستوى الوطني فقط، بل كذلك على المستوى الإقليمي، فللأسف ورغم موقعنا الجغرافي المتميز، لا نتوفر على نوافذ إعلامية متوجهة للجمهور المغاربي، والمتوسطي، والعربي، والإفريقي، كما لا نتوفر على أي منصات إعلامية قوية باللغة الإنجليزية، اللغة الأولى عالميا على مستوى الإنتاج والتواصل. 

وهذان المدخلان يختزلان الكثير من الإجراءات العاجلة الأخرى، من قبيل تحيين الترسانة القانونية، ووضع ضوابط للدعم العمومي مع تقويته بحيث تربطه بتحقق هذين الهدفين: تحسين أوضاع الصحافيين وتجويد وتقوية المقاولات.