ديربي البيضاء: دونور في حلة أرقى.. جمهور ‘‘كيوت‘‘.. ولا حدث على أرضية الميدان

سعيد نافع الأحد 13 أبريل 2025

لعلها المرة الأولى التي لا تنبض فيها البيضاء على إيقاع الديربي الأول في المغرب. دعوات المقاطعة من الأولتراس في كلا الجانبين، وجدت صداها على ملايين الأنصار في كلا اللونين. لذلك بدت شوارع المدينة وأحياءها حيث معاقل الأنصار للناديين معا، الرجاء والوداد، راكدة ولا أثر لأية دلائل تشير على أنه يوم عرس الكرة البيضاوي.

لا درب السلطان ولا المدينة القديمة.. جرت فيها الأمور بشكل اعتيادي مثل باقي الأيام. شارع بني مكيلد وسط درب السلطان، سار في رتابة الأيام العادية. حتى باعة ‘‘البرودوي‘‘ الكروي البيضاوي الذين ظلوا على أمل أن ‘‘تدور الحركة‘‘ مع اقتراب ساعة المبارة، ظلوا يرمقون الرايات والبيارق ومعها الطرابيش والكشكولات، المعروضة على كراريسهم دون أن يسأل فيها أحد.

في المدينة القديمة، المعقل الودادي الفوار، بدت غير مكترثة للحدث. لم تخرج الجحافل كعادتها بالعشرات والمئات في اتجاه دونور من خلال ‘‘الكورطيج‘‘ المبدع.. ‘‘والو‘‘.. لا أثر. ولو كتب لغريب سمع عن قصص الديربي، أن يحيا في شوارع كازابلانكا بالأمس، لتساءل في قرارة نفسه مرتين حول ما إذا كان تلك الأسطورة ضربا من الخيال.

جمهور ‘‘كيوت‘‘

مع ذلك حضرت جماهير لم تسمع نداء المقاطعة، أو لم تقتنع به، أو وجدت تلك الفرصة السانحة في دخول دونور ‘‘بلا صداع‘‘ كما قالت تلك السيدة الخمسينية التي جاءت بمعية أبناء الثلاثة لمركب محمد الخامس لأول مرة في حياتها. هذه الجماهير التي تعدت ال10 آلاف، اتتظمت أمام الأبواب كل حسب لونه المفضل، وخالطتها الأسر والنساء والأطفال.

الامتزاج السلمي والجميل الأحمر والأخضر بالأمس، كان صورة تقريبية لمن لم يعش زمن ديربي الإخوة قبل عقود، عندما كانت المدرجات غير مقسومة على اللونين، وحيث كان الاختلاط العنوان الأبرز لمشاهدة الديربي في الملعب.

كان مشهدا سرياليا على الأجيال الحديثة، أن ترى قبل وبعد المباراة، الرجاويين يمشون إلى الوداديين من وإلى الملعب في الشوارع والطرق المتفرعة على مداخل مركب محمد الخامس. سريالي، لأنه في العقود الأخيرة، ومع تنامي ظاهرة الأولترا، سيكون من الصعب على أي مناصر أن يقتحم جحافل اللون المنافس ذلك أن يكون في الأمر خطر محدق.

التعادل أيضا كان له دور في ذلك السلام العام الذي خيم على محيط الملعب بعيد المباراة. غادر كل إلى وجهته، واختلطت جماهير الناديين. تبادلوا الابتسامات أو تلك القفشات المحدودة دون أن تشكل مدعاة لاي تعصب يذكر. كان مشهدا يطرح أكثر من علامة استفهام حول التحول العنيف الذي اقتحم عقلية المناصرين في السنوات الأخيرة، وحول ما إذا كان ممكنا للغاية أن تتعايش جماهير الرجاء والوداد، وأن تتمتع بالمشاهدة دون حاجة إلى تلك النرفزة المصطنعة التي تحول مباراة عادية في كرة القدم إلى ساحة معارك مفترضة.

دونور.. الأحسن في حدود الممكن

‘‘دونور‘‘ في حلة جديدة تلك التي عاينها كل من حضر للملعب أمس. يبدو أكثر إنسانية من شكله القديم الذي يعود تصميم فكرته الأولى إلى نهاية أربعينيات القرن الماضي. تم اختصار محيط الملعب الخارجي إلى ما يجب أن يكون عليه المحيط ليبدو أكثر إنسانية. لم يعد الزائر بحاجة إلى قطع تلك الدوائر التي تحسب بمئات الأمتار للوصول إلى الباب الذي سيلج منه. في المداخل الجانبية اختفت أيضا تلك المساحات الشاسعة التي كانت تفصل السياجات الخارجية عن الأبواب، واستبدلت بمدارج غيرت من المشهد العام للملعب. أضيف الدعامت تحت المدرجات المتآكلة أو الحساسة، وطليت أغلفة المدرجات من الخارج.

في الداخل بدت منصة الصحافة في شكل مقبول أخيرا. معشر الصحافيين هم أكثر ممثلي المهن التي عانت لعقود في مركب محمد الخامس. ثم تحول توحيد منصة الصحافة في جزء كامل يتسع ل300 صحافي، مع تجهيز المرافق بكل ما سيحتاجه كل صحافي في عمله : التوصيل بالكهرباء.. صبيب انترنيت متوفر، وشاشة تنقل المباراة أمام كل مقعد. بالنسبة لكل الصحافيين الذين عاشوا الزمن القديم في دونور، تعتبر هذه المقدمات ثورة حقيقة.

ولوج منصة الصحافة أصبح أكثر سلاسة ودقة. يتذكر الصحافيون المعاناة الحقيقة التي عاشوها في كل المباريات، عندما كانت تقتح المكان وحوه لا علاقة لها بالصحافة، وتستزيد باصطحاب أفراد عائلتها وأصدقاءها. لأول مرة ستحدد بطاقة الملاعب من له مشروعية الولوج. شكر كبير للواقفين على التنظيم، الذين فرضوا نظاما صارما على كل المنابر الإعلامية، اقتضى، ودرءا لفوضى عمرت سنين طويلة، أن لا يمثل كل منبر إلى صحفي واحد أو كاميرامان مصور.

لأول مرة في دونور تم تخصيص مركز إعلامي للصحافيين يمكنهم من الاشتغال في ظروف احترافية طيبة للغاية، مع مركز ندوات مؤقت في انتظار الانتهاء من أشعال مركز الندوات الأكبر الذي سيقام في الشكل الهندسي الكروي الكبير في مدخل مركب محمد الخامس.

تحضير مركب محمد الخامس للاستحقاقات القادمة فرض حزمة تغييرات مهمة خصوصا في المنصة الرسمية وتحت المدرجات المغطاة. أعيدت تهييئة كل مداخل الملعب في هذه الجهة بطريقة تسمح بولوج دون اختلاط أو ارتباك كما كان على عهود دونور السابفة. أضيفت فضاءات استقبال خاصة للأسر تعلو المنصة الرسمية، كما تم تحويل بلاتوهات التصوير التلفزيوني والإذاعي للطبقات الأعلى من المركب. إلى جانب المنصة الرسمية دائما، تم تنصيب مقاعد ‘‘بريميوم‘‘ من أجل مشاهدة خاصة وفي ظروف طيبة.

لا بد من الإشارة إلى أن أوراش محمد الخامس لم تكتمل بعد، إذ ما تزال نقط أخرى خاصعة للترميم أو إعادة التصميم ومن المنتظر أن يتم الانتهاء منها في أقرب الآجال.

على الملعب.. لا حدث

العودة لدونور.. هذه المرة على الملعب لم تعط ما كان منتظرا. الرجاء والوداد يجتازان مرحلة نتائج سلبية تعكس التخبط الذي عاشا فيه طيلة الموسم. الرجاء المفرع من ترسانته البشرية المتميزة والتي حققت له ازدواجية تاريخية العام الماضي دون هزيمة، يبدو شبحا لفريق العام الفائت. تبدو حالة اللاعبين البدنية متدنية للغاية، مع بعض الومضات التي أعطت أكلها في هدف التعادل الذي سجله حسين راحيمي. غاب الإيقاع والتنسيق بين خطوط الفريق وفي مراحل طويلة من المباراة ساد التفكك، وغاب الانضباط التكتيكي.

جماهير الرجاء لم تكن ساخطة بالمعنى الحرفي للكلمة لأنها تعلم جيدا ما مر به الفريق هذه السنة من فوضى تسييرية، أدت إلى اختيارات تقنية خاطئة، لهذا كان لسان حالها معبرا عن رضى ‘‘باللي كان‘‘ .. وهي العبارة التي يمكن اعتبارها عنوان الموسم الرجاوي الحالي.

بالمقابل تبدو حالة الوداد عصية على الفهم. الفريق حضر للموسم الحالي في ظروف تقترب من المثالية مع تولي رئيس / محب لشؤون النادي. استقدم مدربا باسم كبير هو الجنوب افريقي رولاني مكوينا على أمل أن يرتقي الأداء الودادي للمطلوب خصوصا وأن الفريق على موعد كبير وهو كأس العالم للأندية شهر يونيو المقبل. غير أن ‘‘الديكليك‘‘ الغائب عن الفريق الأحمر دفع بجماهير الفريق إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول أسباب هذا التعثر وأزمة النتائج، بل والتفكير بجدية بسحب الثقة في المدرب الذي حظي بالدعم الأكبر في تاريخ الأندية المغربية.

آل اللقاء إلى تعادل أنصف الجماهير الحاضرة.. وساهم بدوره في جو السلم الذي خيم على سلوكاتها قبل وبعد المباراة.